رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إِنِّى رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِى الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ، فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ، وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّى فَأَعْبُرَهَا. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «اعْبُرْ». قَالَ أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإِسْلاَمُ، وَأَمَّا الَّذِى يَنْطِفُ مِنَ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالْقُرْآنُ حَلاَوَتُهُ تَنْطُفُ، فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ، وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِى أَنْتَ عَلَيْهِ تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ، فَأَخْبِرْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ. قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا». قَالَ فَوَاللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّى بِالَّذِى أَخْطَأْتُ. قَالَ «لاَ تُقْسِمْ». طرفه 7000 - تحفة 5838
واعْلَمْ أَنَّهُم اخْتَلَفُوا في أَنَّ الرُؤْيَا هل لها حقيقة مستقرةٌ بأنْفُسِها، أو هي تابعةٌ للتَّعْبِيرِ، كيفما عُبِّرَت؟.
فذهبَ جماعةٌ إلى الأوَّل، ومنهم البخاري، وتَمَسَّكَ بقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم «أصبتَ بَعْضًا، وأخطأتَ بَعْضًا»، فَدَلَّ على أَنَّ الرُؤْيَا لها حقيقة، حيث لم يُدْرِكْ بعضَها أبو بكرٍ، وأَخْطَأَ فيها، ثُمَّ بتعبيرِهِ لم تَتَغَيَّرْ حقيقَتُها، وتَمَسَّكَ الأولونَ بما عند الترمذي: «الرُؤْيا على رِجْل طائرٍ، ما لم تعبر»، أو كما قال.
قلتُ: واخْتَارَ التوزيع، فبعضُ أنواعِهَا يَنْقَلِبُ بالتعبيرِ، وبعضُها لا، وحينئذٍ ما في الترمذي قضيةٌ مهملةٌ، وهي تلازِمُ الجُزْئِيَة، ثُمَّ وقوعُها بعدَ التعبيرِ عبارةٌ عن زَوَالِ التردُّدِ للرَّائي، فإِنَّه لا تزال نَفْسُه تَتَرَدَّدُ إليه في تعبيرِهِ، فإِذا عَبَّرَ وَعَقَ تعبِيرُهُ عندَهُ، وليس فيه أَنَّ الواقِعَ أيضًا يَتْبَعُ تعبيرَهُ، وإِنَّما المَضَرَّةُ في تعبيرِ الرُؤْيَا المشوهةِ هو التحزينُ لا غير (?)؛