بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].
وقد صُنِّفَ فيها «عمل اليوم والليلة» لابن السُّنِّي، وكتاب «الأذكار» للنووي، «والحصن الحصين».
ثم الدعاءُ في عُرْف القرآن، والحديث أُطْلِقَ على معنيين:
الأوَّلُ: ذكره تعالى، ثم اشتهر في زماننا في طلب الحاجة.
والثاني: هو الدعوةُ مطلقًا، كقوله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63].
فائدةٌ: وليُعْلَم أن تحسينَ المتأخِّرين، وتصحيحهم، لا يوازي تحسينَ المتقدِّمين، فإنهم كانوا أعرفُ بحال الرواة لقُرْبِ عهدهم بهم، فكانوا يَحْكُمُون ما يَحْكُمُون به بعد تثبُّتٍ تامَ، ومعرفةٍ جزئيةٍ أمَّا المتأخِّرون، فليس عندهم من أمرهم غير الأثر بعد العين، فلا يَحْكُمُون إلَّا بعد مطالعة أحوالهم في الأوراق. وأنت تَعْلَمُ أنه كم من فرقٍ بين المجرِّب والحكيم؟ وما يغني السوادُ الذي في البياض عند المتأخِّرين عمَّا عند المتقدِّمين من العلم على أحوالهم، كالعيان. فإنَّهم أدركوا الرواة بأنفسهم، فاسْتَغْنَوْا عن التساؤلِ، والأخذِ عن أفواه الناس، فهؤلاء أعرفُ الناسِ، فبهم العبرةُ.
وحينئذٍ إن وجدتَ النووي مثلًا يتكلَّم في حديثٍ، والترمذيّ يحسِّنه، فعليكَ بما ذهب إليه الترمذيُّ، ولم يُحْسِن الحافظُ في عدم قَبُول تحسين الترمذيِّ، فإن مبناه على القواعد لا غير، وحكمُ الترمذيِّ، يبني على الذوق والوِجْدَان الصحيح. وإنَّ هذا هو العلم، وإنَّما الضوابطُ عصا الأعمى. ونعم ما ذكره الشيخُ المجدِّد السَّرْهَنْدِي: إن روحَ القرآن هي المتشابهات، وذلك لأنَّ المحكماتِ تتعلَّق بما يجب على الإِنسان، والمتشابهاتِ تحكي عن معاملات الرحمن، فما يكون قَدْرُ المحكمات بجنب المتشابهات، إلَّا كالقطرة بجنب البحر.
فهكذا أقولُ: إن روحَ الحديث هي الأدعيةُ، فمن كان قد عَرَفَه فقد عَرَفَه، ومن لم يَعْرِفْه، فَلْيَعْرِفْه الآن. ثم لا يخفى عليك أن شأنَ النبيِّ أرفعُ، فإنَّه ينبِّه على الحقائق