قوله: (إنما الظهار من النساء) أي الحرائر. واعلم أن الظاهري تكلَّم في وجوب الكفارة في الظهار، فقال: إنْ قلنا: عليه أن يأتي امرأته، ثُم يكفِّر عن ظهاره، يلزم أن يجبر على إتيان ما كان حَرَّم هو على نَفْسه بنفسه، وإنْ قلنا: إنه يكفِّر أَوّلًا، ثُم يَقْرَب امرأته، فلا وَجْه له، فإِنه لم يَكْسب ذنبًا بعدُ لنوجِب عليه الكفارةَ، وإن قال الشافعيةُ بجواز تقديم الكفارة في اليمين، لكن الحنفية خالفوهم، ولم يوجِبُوا الكفارةَ إلَّا بعد الحِنْث لذلك المحذور.
قلتُ: والجواب أن العَوْد عندنا مُفَسّر بالعَزْم على القُرْبان، فإِن القُرْبان لا يَصْلُح له مِن أجل ظهاره، فأقيم عَزْمُ القُربان مقامَ القُربان، وعلّق به الكفارة. والعجب من الظاهري حيث فَسّره بالمعاودة إلى هذا القول مرة أخرى، وليت شِعري ما حمله على ذلك، مع أنَّ القرآن نعى على قوله الأَوّل، وجعله مُنْكرًا من القول وزورًا، وعاقبه بالكفارةِ، وهذا يحمله على المعاودةِ إليه مَرّة أخرى. ثُم العجب على العجب أَنَّ قَوْله: في المَرّة الأُولى إذا لم يكن موجِبًا للكفارة عنده، فكيف يكون موجِبًا في المرة الثانية؟ إن هذا لمن عجب.
قوله: ({لِمَا قَالُواْ}) فَسّره البُخاري بقوله: «فيما قالوا»، فإِنَّ الله تعالى ما كان ليأمرَه أن يعودَ لمثله ثانيًا، وقد نعى عليه أوّلًا. واستدلَّ منه الطحاوي على أن النهيَ لا يقتضي البُطلانَ، فإِنَّ الله سبحانه مع تشنيعِه على الظهار وَضَع له أَحْكامًا، فدلّ على أنَّ الشيء يكون منهيًا عنه، ثم تكون له أحكامُ عند الشَّرْع.
واعلم أنه جرت مناظرةٌ بين الطبراني وبين محمد بن داود في مسألة: وكانا جالِسين على أَرضٍ يابسةٍ، إذ مَرّ بهما ابنُ العميد، وأوقف دابته عليهما، فما بالا به،