والجواب عنه بوجوه، منها: أن المراد منه نزولُهَا بعد زمنِ الفترة، كما يؤيده السياق. وقوله: فإذا المَلَك الذي جاءني بحِراء أيضًا يدلُّ على سابقيةِ عَهدٍ وتقدُّم خبرٍ. ومنها: أنه اجتهاد من جابر وليس مرفوعًا، وهو الأصوب عندي. والتوفيق عسير جدًا، وبه قال الكرماني كما في «الفتح» في سورة المدثر. والقول الثالث: الفاتحة، وله مُرْسَل عند البيهقي. قال البيهقي: إن كان محفوظًا فيحتمل أن يكون خبرًا عن نزولها بعد ما نزلت عليه «اقرأ» و «المدثر» (?).
والجواب أن يُلْتَزَمَ بتعدُّدِ نزولها، فلعلها نزلت أولًا بغير صفة القرآنية، ونزلت أخرى بصفتها. وفي «الإتقان» رواية في ترتيب السور مسلسلة بأئمة النحو، فأمعنت فيها النظر، فبدا لي أنه قد سرى في هذا الباب اجتهاد، فالطرد والعكس عليه مشكل. ثم ههنا نُكتةٌ نبّه عليها الحلبيُّ في سيرته، وكأنه أراد منها تأييدًا لمذهب الحنفية أن الفاتحة إذا لم تنزل أولًا، فكيف يكون حَال الصلوات عند من جعلوها ركنًا.
فقال الشافعية: إنها جزء من كل سُورة وجزءٌ من الفاتحة أيضًا. وقال الحنفية: إنها ليست جزأً للفاتحة، ولا من كل سورة، قيل: أول مَنْ كتب هذه المسألة منا هو أبو بكر الرَّازي، وليست منقولة عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى. قلتُ: ومن رآها مكتوبةً بين كل سورتين يَحْكُمُ ذِهْنُه إلى أنها آية نزلت للفصل بين السور، كما ذكر في «الكنز». واعتُرض على الشافعية أن التسمية لو كانت جزءًا من كل سورة نزلت هناك أيضًا. وأجاب عنه الشافعية أولًا: بأن مضمون التسمية قد أُدِّيت في ضمن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ} وثانيًا بأنها صارت جزأً بعد نزولها وهو كما ترى، فإن الكلام في صيغة التسمية لا في معناها.
(حتى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ) رُوي بنصب الدال ورفعها (?).
(يَرْجُفُ فُؤادُهُ) وفي «نوادر الأصول» للحكيم الترمذي - وهو غير الترمذي صاحب «الجامع»: أن القلب خاص، وهو موضع الإدراك، والفُؤاد يُطْلَق على وعائه. قال الشيخ