كان يُبنى على ما فَهِمَهُ ابن عمر رضي الله عنه؟ وإنَّما هو اجتهادُه وفهمُه وظنه، وليس عنده غيرَ تلك الرؤية المشتبهة شيء، وقد عارضه فهمَ أبي أيوب رضي الله عنه كما علمت، على أنَّ في حديث ابن عمر رضي الله عنه شيئًا آخر ذَكَرَهُ أحمد رحمه الله تعالى كما في العيني، ولم أكن أفهمُ مرادَه إلى زمان ولم ينتقل إليه أذهان عامتهم، وبعده يخرجُ حديثُه عما نحن فيه رأسًا وينتقل إلى باب آخر.
وهو: أنَّ محطَّ حديثه المعارضةُ بمن رأى الكراهة في استقبال بيت المقدس، ولا بحث له عن استقبال البيت قصدًا، ويتضحُ ذلك من سياقٍ سَاقه مسلمٌ عن عمه واسع بن حَبان قال: كنت أصلي في المسجد وعبد الله بن عمر مسنِدٌ ظهرَه إلى القبلة، فلما قضيت صلاتي انصرفت إليه من شقي، فقال عبد الله: يقول ناس إذا قعدت لحاجة تكون لك فلا تقعد مستقبلَ القِبلة ولا بيتَ المقدس. انتهى.
فهذا يدلُّ صراحةً على أنَّ كلامَه إنما هو مع من كان يكره استقبال بيت المقدس ويعدّه كالقبلة. وقد رُوي عنه صلى الله عليه وسلّم في النَّهي عن الاستقبال بهما أيضًا، فعند أبي داود عن مَعقِل بن أبي معقل الأسدي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن نستقبلَ القِبلتين ببولٍ أو غائطْ فابن عمر رضي الله عنه إنما يُعارضُ بمن يعد كراهة استقبالِ بيت المقدس أيضًا كالبيت، ولا تعلق له بمسألة البيت قصدًا، ولذا تعرَّض عند بيان رؤيته إلى بيت المقدس فقط.
وما في بعض الروايات: مستدبرَ الكعبة، فهو لزوميٌّ ويُبنى على تحقيق السَّمت. وكونُهما على طرفين بحيث يُوجب استقبالُ أحدهما استدبار الآخر، وذلك غير معلوم. وإنما أراد به ابن عمر رضي الله عنه التقريبَ وما يَتَرَاءى في بادىء النظر فقط، ومسألة الاستدبار والاستقبال تُبنى على تحقيق ذلك السَّمت في نفس الأمر، ولا تتحققُ إلا أن يحقِّقَها علماء الجغرافيا كذلك. وعرض البلدتين مكة وبيت المقدس يختلف على أنَّه لا يرد علينا، لِمَا مرت رواية عن الإِمام في جواز الاستدبار (?).