خبره أنه كان بين زيدٍ، وزينب منافرة، فكان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم يُحِب أن يُمْسِكها وينصحه بذلك، وينهاه عن فِراقها، وكان يُضْمِر في نفسه أنه إن أسمعه ما يكره، فإِنه يتزوَّجُها بنفسه، وذلك لأنَّ زيدًا كان مطعونًا في نَسَبه، وكانت زينبُ فيهم ذاتَ نَسَب، وإنما رضيت بالتزوُّجِ منه لِوَجْه النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فقط، فلما أزمع زيدٌ على أن يطلِّقها، تحدَّثت نَفْسه أن يُكْرِمها بتزوُّجها جَبْرًا لهذا الإِيحاش والهوان. وكان في تزوُّج النبيِّ صلى الله عليه وسلّم إياها تلافيًا لما صدر منه على أتم وجه. غير أن تزوُّجَ امرأةِ المُتَبَنَّى كان عندهم شَيْنًا، فأراد الله سبحانه أن لا يبقى في أزواج أدعيائهم حَرَج، فأنكحه إياها بعد طلاقِها، وليس فيه شيء يخالِفُ شَأنه وقُدْسه.

ونظيرُه أنه تلا آيَة التخيير على عائشةَ، وكان يحب في نَفْسه أن لا تختار إلَّا نَفْسه المباركة والدار الآخرة، ولا تَرْكن إلى الدنيا، فتلا آيةَ التخيير في الظاهر، وأضمر أن تُؤثر نَفْسه والدار الآخِرة، فكذلك ههنا، كان يصرُّ عليه أن يُمْسِكها مع التطلُّع إلى سبيلٍ يَسْكُن به خاطِرْها إنْ جفا عليها وفارقِها. وهذا الذي قاله تبارك وتعالى: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ} فأيّ شيء أبداه بعده غير أمْر النكاح. فهذه هي القِصَّة، ثُم زيدت عليها مئة كذبة، فجاءت كما ترى تَقْشَعِر منها الجلود. وراجع «الكمالين (?) - الحاشية للجلالين -».

وقد مر معنا أن في أَنْكِحةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم كلّها سرًا من أسرار رَبّانية، كما رأيت في نِكاح زينبَ، فإِنَّه عُلِم منه جوازُ النِّكاح من حليلةِ المُتبنَّى بعد الطلاق، وكان العربُ يتحرَّجون عنه، فلولا ذلك لبقي هذا الحَرَجُ في الدِّين. ولما كان أكثرُ تعليماتِ الأنبياء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015