واعلم أن فهمَ الحديثِ والإطلاع على أغراض الشارع مما لا يتيسرُ إلاّ بعد علم الفقه، لأنه لا يمكنُ شرحُه بمجرد اللغة ما دام لم يظهر فيه أقوال الصحابة رضي الله عنهم ومذاهب الأئمة بل يبقى معلقًا (?)، لا يُدرى وجوههُ وطرقه، فإِذا انكشف ما ذهب إليه الذاهبون واختاره المختارون خفَّ عليك أن تختارَ واحدًا من هذه الوجوه، وهو حال الحديث مع القرآن ربما يتعذرُ تحصيلُ مرادِهِ بدون المراجعة إلى الأحاديث، فإذا ورردت الأحاديث التي تتعلق به قُرُب اقتناصُ غرضِ الشارع. وهذا من غاية علوه ورفعة محله، بل كلما كان الكلامُ أبلغَ كان في اجتمال الوجوه أزيدَ، ولا يُفهم هذا المعنى إلاّ من عُنِيَ به.
وأما الجاهل فيزعمه سهل الوصول لقوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءانَ لِلذّكْرِ} [القمر: 17] إلخ ولا يدري أنه ليس تيسرُه على قدر ما فهمه، بل معناه أنه يشتركُ في تحصيل معناه والاستفادة منه الأعالي والأداني، لكنه يكون بقدر نصيبهم من العلم. وهذا من غاية إعجازه، يسمعه الجاهلُ ويأخذ منه علمًا بقدره، ويَرَاه الفحولُ ويُفعِمون منه دِلاءً بقدر أفهامهم، بخلاف كلام الناس فإِنه إن كان ملتحقًا بأصوات الحيوانات فإِنه لا يَلتفِتُ إليه البلغاء، وإن كان في مرتبة من البلاغة لا يُدرِكُ مرادَه الجهلاء. وهذا كتابٌ بلغ في مراتب البلاغة أقصاهما ولم يزل سحاب علومِهِ مَاطِرًا على كافة الناس، عقلائهم وسفهائهم سواء بسواء، وهذا معنى التيسير لا ما فهموه.
133 - حَدَّثَنِى قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِى الْحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّأْمِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ».
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ لَمْ أَفْقَهْ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. أطرافه 1522، 1525، 1527، 1528، 7344 - تحفة 8291