ومناقشاتٌ، تجري مع الأنبياءِ عليهم السلام، وخواصِّ عبادِه، وذلك لغايةِ لُطْفه بهم، وقُرْبهم منه، ومن باب التهويل: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ} [طه: 121] (?).

ثُم إنَّ ههنا سِرًّا، وهو أن تلك كلمةٌ صدرت من غايةِ لُطْفه، ونهايةِ محبَّته، وفَرْط عَلاقَتِه مع الرُّسُل، فإِنَّ الإِلزامَ لا يُعْطَى إلَّا لِمَنْ يُرْجى منه خِلافُه، أما مَنْ لا اعتمادَ لك عليه، فأَنْت لا تُلْقي له بالًا، ولا تُعَنِّفه، ولا تَلُومُه، ولا تعاتِبُه بشيءٍ، ولكنْ مَنْ كان صاحِبَ سِرِّك، وصاحِبَ نَجْواك في جهرك وسِرِّك، فأنت لا تغفر له أدنى غَفْلةٍ عنك، وتؤاخِذُه بالنَّقِير والقِطْمِير. ولو كانت تلك الكلمةُ صَدَرت من البَشَر، لقلت: إنَّه يُظْهِرُ مَلاَلَه، ويَبُثُّ قَلَقَه من حبيبه، ويلزمه أنك اضطربت، واستبطأت نَصْري، كأنك زعمت أنني كذبتك، وكنت أَرْجُو منك أن لا يَظْهَر عليك شيءٌ من ذلك، ولو بَلَغتِ القلوبُ الحناجِرَ، أو بلغت الحُلْقُوم، ولكن المَلاَل والحُزْن مما لا يناسِبُ عَزْوه إلى الله تعالى، فلا أقول: إنه أَظْهَر مَلاَله، بل أقول: إنَّ فيه إظهارًا بِلُطْفه بهم، واستنكارًا لاستبطائهم النَّصْر، وإلزامًا بكونه غيرَ متوقَّع منهم. ثُم إنَّ الله تعالى قد احتاط في ذلك بكلِّ ما أمكن، ولذا ألف الفاعل، ولم يَعْزُ ظَنَّ تكذِيبهم إلى نفسه، وإنْ أراده، ولكن طريقَ البيانِ في نحوه ليس إلَّا البِناء للمَفْعُول، وقال صاحِب المَثْنَوي:

*"إين قراءت خوان كه تخفيف كذب ... اين بودكه خويش داند محتجب"

فالظَّنُّ حينئذٍ بمعنى الحُكْم على اللَّهِ بما وَقَع في نَفْسه.

ثُمَّ إنَّ الزَّمخشَريّ أَخَذ الظنَّ بمعنى الوَسْوَسة، تنزيهًا لجانب ابن عَبَّاس، فإِنَّه كيف يتحمَّل الظنَّ به في حقِّ الرُّسُل؟ قلتُ: الظنُّ لم يَثْبت في اللغةِ بمعنى الوسوسة، بل يقال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015