المؤمنين (?) وحملوها على الأول. أقول: وتقسيمُ النار وإن كان صحيحًا في نفسه لكنه لا يصلحُ شرحًا للحديث. وقد صح في الأحاديث اختلاف أنواع العذاب.

أقول: والصواب عندي أن الائتمارَ بالطاعات والانتهاء عن المعاصي مراعى ههنا أيضًا وإن حذف ذكره من العبادة، لأن الشارعَ لما فرغ من ذِكرها مرة وتفصيلها بابًا بابًا، والترغيب فيها طاعة طاعة، والتحذير عنها معصية معصية، فقد استغنى عن تكريره في كل موضعٍ، لأنه بيَّنَ وأكَّد لسليم الفطرة أن هذه الأشياء أيضًا دخيلة في النجاة عنده، فلم تبق له حاجة إلى القيود في كل مرة، وهو الطريقُ المسلوكِ في العرف، فإنهم يرون المعلوم كالمذكور، وإنما يستوفون الكلام فيما يتعسر انتقال الذهن إليه.

وإنما خصَّ الكلمةَ من بين سائر الأجزاء لكونها أساسًا وأصلًا ومدارٌ للحياة الأبدية، فهي المؤثرة حقيقة. والأعمال وإن كانت دخيلة في تحريم النار، إلا أن المُؤَثِرة فيها هي تلك الكلمة. ثم تلك الكلمة وإن كانت هي المؤثرة، لكنها لا غنية بها عن تلك الأعمال. فالحاصل أن تحريم النار وإن دار بالمجموع لكنه خُصَّ من هذا المجموع ما كان أهم من بينها، وهو تلك الكلمة كالأصل للشجرة، فإنه لا حياةَ لها بدون الأصل. ثم إن هذه القاعدة مُطَّردةٌ في جميع ما ورَدَ فيه الوعد والوعيد، فلا يتعرضُ فيه إلى وجود شرط ورفع مانع، فإنه يكون عنده ملحوظًا على كنهه. وإنما يذكر الكلام مرسلًا لظهوره.

ثم اعلم أن من فطرةِ الإسان أنه يجعلُ كلياتٍ من عند نفسه، وليس هذا إلا لعدم إحاطته بأطراف الشيء وجوانبه، وليس حال العامة كالطبيب، فإنه إذ يحكم على دوائه بأنه مفيد أو مضر، لا يحكم إلا بظنه الغالب، لكن إذا جاءَه واحدٌ من الأغبياء يجعله كليًا ويزعمُ أنه مفيد أبدًا ولا يمكن عنده خلاف ذلك، حتى إذا تخلَّف عنه الحكمُ مرةً يسبُّ الطبيب ويكذبُهُ، ولا يدري أنه لا يسبُّ إلا نفسه. فكذلك إذا أخبر الشارع عن أشياء غائبة وإن كان حكمُهُ عليها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015