لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِى حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ يَدِهِ فِى صَدْرِى وَقَالَ «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا». قَالَ فَمَا وَقَعْتُ عَنْ فَرَسٍ بَعْدُ. قَالَ وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ بَيْتًا بِالْيَمَنِ لِخَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ، فِيهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ، يُقَالُ لَهُ الْكَعْبَةُ. قَالَ فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ وَكَسَرَهَا.

قَالَ وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ الْيَمَنَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالأَزْلاَمِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَا هُنَا فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ. قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ فَقَالَ لَتَكْسِرَنَّهَا وَلَتَشْهَدَنَّ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوْ لأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ. قَالَ فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ، ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلًا مِنْ أَحْمَسَ يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ. قَالَ فَبَرَّكَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. تحفة 3225

واعلم أن النصارى لمَّا تسلَّطُوا على اليمين رأوا أن العربَ يَطُوفُونَ بالكعبة شرَّفها اللَّهُ تعالى، ويَحُجُونَها. فبنوا بيتًا مضاهاةً لها، وسَمَّوْهَا كعبةً يمانيةً، تمييزًا عن الكعبة شرَّفها الله تعالى، فإنها يُقَالُ لها الشامية. وقد جَمَعَ الراوي في ذي الخَلَصَةِ بين الوصفين. فقيل: إن الصوابَ اليمانيةُ فقط، ووصفُها بالشامية غَلَطٌ. ووجهُ الحافظ (?): الجمع أيضًا.

قلتُ: قوله: «ذو الخَلَصَةِ» والكعبةُ اليمانيةُ معطوفٌ ومعطوفٌ عليه، وتمَّت العبارةُ إلى ههنا. ثم قوله: «والكعبةُ الشاميَّةُ» ليس معطوفًا على ما قبله، بل مبتدأٌ وخبرٌ، أي والكعبةُ يُقَالُ لها: الشاميةُ. وإن جَعَلْتَهُ معطوفًا، فالمعنى: إن ذا الخَلَصَةِ كانت تُدْعَى باليمانية، وكذا بالشامية تمييزرًا لها عن الكعبة المكرَّمة التي بمكَّة، فإنها كانت تُدْعَى الكعبة مطلقًا.

وفي السِّيَر: أن أَبْرَهَةَ لمَّا خَرَجَ إلى مكَّةَ، وأقام بالمُزْدَلِفَةِ، قال الناسُ لعبد المطَّلب: لو كلَّمته فينا. فجاء إليه، فلمَّا رآه، وقَّره أَبْرَهَةُ، وسأله عمَّا جاء به إليه، فقال: إن أَذِنْتَ لنا خرجنا بنَعَمِنَا، وغَنَمِنَا، فلمَّا سَمِعَ منه تلك الكلمة، وعَلِمَ أنه ليس له همٌ إلَّا في إنقاذ غنمه ونَعَمِهِ، قال: إنك أحمقٌ، تكلِّمني في غنم، فقال له عبد المطَّلب: نعم، فإنه ليس لي إلَّا الغنم. وأمَّا البيتُ، فإنه يَحْفَظُهُ ربُّه بنفسه، وما لي أن أتكلَّم فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015