واعلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان أَخْبَرَهُمْ (?) من قبلُ بأسماء من يُقْتَلُ فيها من الكفار، وحيث يُصْرَعُ، فوقع كما كان أَخْبَرَ به، حتَّى لم يَتَجَاوَزُوا عنه قيدَ شبرٍ. وكذلك أخبارُ الأنبياء تَحْكِي عن الواقع، ولا يتحمَّل فيها الخلاف بنحو شعر وشُعَيْرَة. نعم قد يجيء فيها الخبط من قبل الرواة. ومن ظَنَّ أن الثقاتِ براءٌ من الأغلاط، فلم يَسْلُكْ سبيلَ السداد. وإنما المعصومُ من عَصَمَهُ اللَّهُ، والجاهلُ لا يفرِّق بين أغلاط الرواة وبين أخبار الأنبياء عليهم السلام، فيحمل خبطَهم وأغلاطَهم على رقاب الرُّسُلِ عليهم الصلاة والسلام. ما أضلُّه، وأجهلُه. وهذا الذي يَقْتَحِمُه لعين القاديان، وذلك لأنه لمَّا يَرَى أكثرَ أخباره تتخلَّف عن الواقع، وتُخَالِفُهُ، ولا يستطيع أن يركِّبَ له عُذْرًا، جعل يَهْزَأُ بأخبار رسل الصدق، ويتتبع أغلاطهم. وأنَّى هي، فطاح سعيُه، وعاد عملُه رقمًا على الماء: {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر: 25].
3950 - قوله: (وقَدْ أَوَيْتُم الصُّبَاةَ) والصابيءُ لم يُسْتَعْمَلْ في القرآن إلاَّ مهموزًا، وفي الحديث بالنحوين: مَهْمُوزًا، وناقصًا. وخَفِي على كثيرٍ من المفسِّرين عقائدهم، حتى زَعَمَ ابن تَيْمِيَة: أن هؤلاء أيضًا كانوا على دينٍ سماويَ في زمانٍ، وليس كذلك. وإنما كان هؤلاء يتعبَّدون بالنجوم من النماردة، يَسْكُنُون العراق، ويتكلَّمُون بالكلدانية. ولم يُدْرِكْ حقيقةً مذهبهم غير الرجلين فيما أعلم: الأول أبو بكر الجصَّاص (?) في «أحكامه»، والثاني ابن النديم في كتاب «الفهرست».
قوله: (أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ) كان أبو سفيان والد الأمير معاوية يجيء بركبٍ من الشام إلى المدينة، فَبَلَغَ خبرُه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فأراد أن يُغِيرَ عليهم بعدَّةٍ من أصحابه. ولمَّا لم يَكُنْ من إرادته الغزو، لم يتأهَّب لهم، ولم يهتمَّ بشأنهم، وخَرَجَ إليهم كما هو، غير مهتمَ. فلمَّا بَلَغَ أبا سفيان خبرُه، عَدَلَ عن الطريق، وأخذ ساحل البحر، فنجى. وأنجى. ثم بلغت هذه القصة أهل مكة، فتأهَّب أبو جهلٍ للحرب بألف نفرٍ منهم، وخَرَجَ على أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فاجتمعت الفئتان في بدرٍ من غير مُوَاعدةٍ، ثم كان من أمرهما ما كان.
قوله: (أَخَذَ لا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إلاَّ عَقَلَ بَعِيرَهُ)، وأُمَيَّةُ، وإن كان كافرًا لا يُؤْمِنُ بأخباره صلى الله عليه وسلّم لكنه كان قد جرَّب أن ما يُخْبِرَ به صلى الله عليه وسلّم لا يكون إلاَّ حقًّا، فلمَّا سَمِعَ أنه قد أَخْبَرَ بِقَتْلِهِ، أخذ أمره من قبل، فاحْتَالَ لنفسه، بأن كان يَعْقِلُ بعيرَه قريبًا منه لِيَفِرَّ عند