وشرحه بأن المسلمَ لا يُقتل بكافرٍ ولا يقتلُ ذو عهدٍ في عهده بكافر أيضًا. وحينئذٍ وجب أن يرادَ من الكافر الحربيُ فقط، ليستقيم التقابل بين ذي العهد والكافر.

وقال الشافعية: إن في الحديث قطعتين: الأولى في حكم القِصاص، أي لا يقتصُ من المسلم بقتل كافر حربيًا كان أو ذميًا. وأما القطعة الثاني فلم تُذكر لحكم القصاص بل لحكمِ المعاهد، أي أنَّ القصاص وإن لم يجب لقتله، ولكن قتلُهُ حرامٌ، فلا يقتلُ ذو عهدٍ في عهده، كما في حديث رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا قال: «إلا من قَتَلَ نَفْسًا مَعَاهِدًا له ذِمَّة الله وذِمَّة رسُولِهِ، فقد أخفر ذمة الله فلا يُرَح رائحة الجنة .. إلخ»، وهذا الحديث سِيق لبيان حِرمَةِ قتله، لا لأجل القِصاص. فكذلك القِطعة الثانية في حديث الباب إنما سيق لبيانِ حرمةِ قتلهِ، وليست مرتبطة بما قبلها، وحينئذٍ يمكنُ أن يكونَ معنى الحديث: أن المسلم لا يُقتلُ بحال بكافر، سواءٌ كان الكافر حربيًا أو ذميًا. أما ذو عهد فإنه لا يقتلُ أيضًا، لأنه حَرَامٌ قتله، فلم يتعين مرادُهُ فيما ذكره الطحاوي وبقي الأمر في التردد بعد.

وأجاب عنه الشيخ ابن الهُمَام (?) أن الحديثَ إنما ورد في دماء الجاهلية وذهولها. والمعنى أن مسلمًا بعد إسلامه لا يقتلُ في قصاص كافرٍ قَتَلَه في الجاهلية، فدعاوي الجاهلية لا يرافع بها بعد الإسلام. قلت: وهذا لطيف جدًا: فإنه قطعة من خُطبة النبي صلى الله عليه وسلّم خَطَبها في فتح مكة. وإعلانُ هذه المسألة هو الذي يناسبُ المحلَ والمقامَ. وقد ورد عند البخاري حديث آخر عن ابن عباس، وشرحه العلماء بعين هذا، وفيه أنه قال: «أبغض الناس عند الله ثلاثة: مبتغ في الإسلام سنة لجاهلية، ومطالب دم امرىء بغير حق ... إلخ». قال العلماء: إنه في دماء الجاهلية فلا يُبعد أن يكونَ هذا الحديث أيضًا في دمائها كما ادَّعاه الشيخ ابن الهُمَام رحمه الله تعالى.

والجواب (?) عندي: أنَّ حقنَ دمَ الذميِّ مستفادٌ من عهده بالمسلمين، حيث لم يعاهده

طور بواسطة نورين ميديا © 2015