الحكمة ظاهرًا، ومر عليه شارح «الوقاية» وقال: إن ما يجبُ هو أن لا يخلو صِنْفٌ منضبط عن الحكمة، لا أنه يجب وجودُها في كل جزء. وحينئذٍ فخلوّ هذا الجزئيِّ بخصوصه عن الحكمة لا يضرنا. ولم يقدر الشارحُ على غير هذا الجواب.

وعندي جوابُهُ لكنَّ الوقتَ لا يتحملُ بيانه وقد فَصَّلتُهُ في بَرْنَامجي. وقد يقال: إن في هذه الثلاثة إشكالًا ولا يتبادرُ الذهنُ إلى حصول الأجرين فيها، فإن المنساقَ إلى الذهن أن الإيمان طاعةٌ واحدةٌ، وإنما الفرقُ في الفروع، فاعتبار هذا الإيمان وهذا الإيمان ربما يفضي إلى التعجب، فتعرَّض إليه الحديث بأن الإيمان وإن كان واحدًا إجمالًا، لكنه لما تعلق بنبيَ بخصوصه تفصيلًا، ثم تعلق بنبي آخر كذلك صار متعددًا باعتبار الشخص، فإنه إذا آمن بنبي فهذا عملٌ، ثم إذا آمن بنبي آخر في زمانه فهذا عمل آخر متجددًا. وكذلك يتوهم أن العبدَ عبدٌ لمولاه، فلعله لا يستحق الأجرَ في خدمته، وكذلك التزوج لنفعه فلا يكونُ عليه الأجر أيضًا.

وقد يقال: إنه خصَّصَها بالذكر لأجل التنبيهِ والتحريضِ على هذين العَمَلين، فإن جمعهما عسير، لأن الكتابي إذا آمن بنبيه فالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلّم يَشُقُّ عليه. فنبه على أنه بهذا الإيمان لا يُحرمُ عن أجر إيمانه، بل يبقى إيمانُهُ معتبرًا ومأجورًا عليه كما كان، بل يضعَّفُ أجره فيحصل مرتين. وكذلك العبدُ إذا اشتغل بخدمة مولاه، ربما لا يجدُ وقتًا لأداء الصلوات ولا أقل من أن يتعسر عليه، فحرَّضَهُ على أن يؤديَ حق الله أيضًا ليحصل له الأجران. وهكذا الأمر في تزوج الجارية، فإن الطبائعَ الفاضلةَ نافرةٌ عنها، فحرَّضَ على إعتاقِها والتزوج منها، ليحصل له الأجران. وتوهَّم بعضهم أن العبدان صلى فله أجران على صلاته، وليس كذلك، بل الأجران على العملين: أجرٌ على خدمةِ مولاه، وأجر على أداء الصلاة (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015