بالنسبة إلى قول النبيِّ صلى الله عليه وسلّم في المحشر لا محالة، ولذا قال: «كما قال العبد الصالح»، بصيغة الماضي (?).
3350 - قوله: (فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يا رَبِّ إنَّكَ وَعَدْتَنِي) ... إلخ، وإنما تلقَّفها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لمثل هذا الموضع على طريق الاقتباس فقط. أَلاَ تَرَى أنها وَقَعَتْ في الأصل جوابًا عن سؤاله تعالى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} ... إلخ [المائدة: 116]، ونبيِّنا صلى الله عليه وسلّم يُسْأَلُ عن ذلِك. وإنما قال ذَلِكَ حين رأى بعضَ أصحابه يؤخذ عنه ذات الشمال، فنادى أنهم أصحابي، فقيل له: «إنَّك لا تَدْرِي ما أَحْدَثُوه بعدك». فاعْتَذَرَ عن تلك الكلمات التي بَلَغْتَ إلى مكان القَبُول على طريق الاقتباس. فإذا لم يَتَّحِدْ السؤالُ، كيف يَتَّحِدُ الجواب؟ ولكن الجواب لمَّا كان حاويًا لجميع الأطراف، والجوابُ مُرَاعِيًا لسائر الآداب والعواطف، اصطفاه لاعتذاره أيضًا.
ثم إن نفيَ العِلْمِ عن نفسه من آداب حضرة الربوبية، أَلاَ تَرَى أن الملائكةَ حين اعْتَذَرُوا عن أنفسهم، قالوا: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32] وكذلك فَعَلَ الرُّسُلُ، قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا} [المائدة: 109]، وليس هذا كَذِبًا، بل عَلمُ العبد بجنب علم الله متلاشىً، ولا شيء. وقد كان موسى عليه السلام نَسَبَ الأعْلَمِيَّة إلى نفسه مرَّةً، فجُوزِيَ بلقاء الخَضِر عليه الصلاة والسلام، وأَبْرَزَ له عِلْمَهُ في كلِّ موضعٍ حتَّى بموضعٍ لَقِيَهُ أيضًا، فَلَمْ يَلْقَهُ حتَّى جاز مكانه، ثم رَجَعَ على آثاره قصصًا. وقد غَفَلَ عنه الملائكةُ أولًا، فابتلوا بإِنباء الأسماء، فلم يَفْعَلُوا.
وليس المَحْشَرُ موضعَ ادِّعَاء عِلْمٍ، وإن كان عندهم عِلْمٌ دون عِلْمٍ، فذلك كالعدم. والعلمُ يومئذٍ كله لعلاَّم الغيوب، ولا ينفي ذلك نفس العلم إجمالًا أصلًا، ثم ههنا كلماتٌ طويلةُ الأذيال طَوَيْنا عنها كَشْحًا لغرابة المقال، وإنما ذكرنا شيئًا سَنَحَ لنا في