رَجَعُوا إليه غدًا، وَجَدُوه كما تَرَكُوه، لم يَزِدْ عليه شيئًا، وحينئذٍ يَدُكُّونه، ثم يَخْرُجُون مفسدين في الأرض» - بالمعنى. ولكنه مخالقٌ لِمَا في الصحيح، لأنه يَدُلُّ على أن السدَّ في زمنه صلى الله عليه وسلّم «كان فُتِحَ مثلَ هذه، وحلَّق بإِصْبَعَيْهِ: الإِبهام، والتي تليها». وقد ذَكَرْنَا تمامه في «عقيدة الإِسلام»، مع أن ابن كثير علَّله، وقال: إن أبا هريرة قد يَرْفَعُهُ، وقد يُوقِفُهُ على كَعْبٍ، وبه يَحْكُمُ وجداني: أنه ليس بمرفوعٍ، بل هو من كعب نفسه.

قال الشيخُ في كتابه «عقيدة الإِسلام، في حياة عيسى عليه السلام (?)»: قد تَوَاتَرَ في الأحاديث أنه عليه السلام يَنْزِلُ بعد خروج الدَّجَّال، فَيَقْتُلُه، ويُرِيهم دمَه على حَرْبَتِهِ، ثم يَخْرُجُ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ، فَيُهْلِكُهُم الله بدعائه. وقد حرَّف المُلْحِدُون تلك الأحاديث أيضًا. وكُنْتُ قد أفردت في مبحث يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مقالةً حديثيَّةً تاريخيَّةً، لا يسعها المقام، وهذه نبذةٌ منها أوردتها.

فالذي ينبغي أن يُعْلَمَ، ويكفي ههنا: أن الظاهرَ من أمر ذي القرنين أنه رجلٌ ليس من أهل المشرق، كما قيل: إنه مغفور الصين، الذي بنى سدًّا هناك، في طول ألف مئتي ميلٍ، ويَمُرُّ على الجبال والبحار. لأنه لو كان كذلك، لقيل في القرآن العزيز بعد سفره إلى المغرب: إنه رَجَعَ إلى المشرق، كالراجع إلى وطنه. ولا من أهل المغرب، وإنما هو من أهل ما بينهما. والراجحُ أنه ليس من أذواء اليمن، ولا كيقباد من ملوك العجم، ولا هو اسكندر من فيلقوس، بل ملكٌ من الصالحين، ينتهي نَسَبُهُ إلى العرب الساميِّين الأوَّلين. ذكره صاحب «الناسخ» وأرَّخ لبنائه السد: سنة 3460 من الهبوط.

وذَكَرَهُ قبل العرب الساميِّين الذين مَلَكُوا مصر، كشَدَّاد بن عاد بن عود بن أرم بن سام، وابن أخيه سنان بن علوان بن عاد، وبعدهما الريان بن الوليد بنع مرو بن عمليق بن عولج بن عاد. قال: ومن أَطْلَقَ على هؤلاء الفراعنة بعد الريان العمالقة، فللنسبة إلى عمليق بن عولج، لا إلى عمليق بن لاوذ بن أرم بن سام الذين كانوا سَكَنُوا بمكة. وكذا هو - أي ذو القَرْنَيْن - قبل ضحاك بن علوان، أخي سنان المذكور الذي قَتَلَ جمشاد ملك الإِيران، وملكه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015