فالحاصل أنَّ باشر القِتال، ومَنح أعان عليه بنوعٍ، كلُّهم مشترِكون في الجهاد، وإن اختلفوا في الأجْر زيادةً ونُقْصانًا تَفاوُتِ مراتب الخلوص، وسماحةِ الأَنْفُس، وصَرْف الأموال، وَبذْل المهج.

فائدة

واعلم أنَّ العبادَ وأفعالَهم كُلُّهم مخلوقون لله تعالى: لا كما زعم المعتزلة؛ إنَّ العبادَ خالِقون لأفعالهم، كيف وأَنَّه لا بد للخالق أن يكونَ مُطَّلِعًا عنلى مخلوقة من جميع الوُجوه والجِهات، فإِنَّ الخَلْقَ لا يتأتى إلا بالعلم المحيط بالمخلوق. قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} [الملك: 14] فستشهد على خَلْقه بِعِلمه، فإِنَّ الخالق لا يكون إلا عالمًا بما خَلَقه، والعبدَ لا عِلْم له بمبادىء أَفعاله، فكيف يكون خالقًا لها، ومنه ظهر الفَرْق بين الخَلْق والكَسْب؛ فإِنَّ المكسوبَ يتَّصِلُ بكاسبه، ولا يُشْرط في الكاسب أن يكونَ عنده عِلْمٌ بالمبادىء أيضًا، بخلاف المخلوق، فإِنَّه ينفصل عن خالِقه ويُشترط فيه أن يكون عند خالِقِهِ عِلْمُهُ التام.

وما قال الدوَّاني: إنَّ فِعْل العبد يتأَتى من مجموع القُدْرتَين: قُدرة العَبْد وقدرة الله. فليس بشيء؛ فإِنَّ ذلك إنما يصِحُّ لوكانت للعبدِ قدرةٌ في نفسه، فإذا لم يكنِ لِقُدْرته تَقَوُّمٌ بدون القدرة الإِلهية لم يَحْصُل مجموعُ القدرتين، لانتفاء أحد جزئيه. أَلا ترى أَنَّ العبد ليس له وجودٌ في نَفْسه، أي مع قَطْع النَّظر عن إيجادِ خالقه، فإِذا لم يستقلَّ في وُجُوده لم يستقلَّ في سائر صفاته، فكلُّ صفةٍ تفرض تكون تلك أيضًا تحت القدرةِ، وعلى هذا فقُدرتُه أيضًا تحت قُدْرتِه تعالى، ويجري الكلامُ فيها أيضًا بِمِثْله، فيتسلسل (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015