النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلاَمِ. فَشَرَطَ عَلَىَّ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا، وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ إِنِّى لَنَاصِحٌ لَكُمْ. ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ. تحفة 3210
وفيه تعريفُ الطرفين وهو يفيد القصر، إلا أن التفتازانيَّ يقول بالقصر من جانب واحدٍ، وهو المُعرَّف بلام الجنس فقط فالأميرُ زيدٌ وزيدٌ الأمير: معناهما واحد عنده، أي قَصَرَ الأعمَ على الأخصِّ. وفصَّل فيه الزمخشري أن القَصَرَ قد يكون من جانب المبتدأ وقد يكون من جانب الخبر أيضًا، فجوَّزَهُ من الطرفين، وهو الحق عندي. قال في «الفائق» في حديث: «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» إن الله مقصورٌ والدهرَ مقصور عليه. والمعنى أن الله هو الجالب للحوادث لا غير الجالبِ. قلت: بل فيه تعريفُ المبتدأ بحالِ الخبر كما في قوله:
*فإنْ قَتَلَ الهوى رجلًا ... فإني ذلك الرَّجُلُ
وحينئذٍ معنى الحديث عندي: أيها المخاطب أنك تعرفُ الدهرَ من قَبْلُ بنسبة جلبِ الخير والشر إليه، فالله هو ذلك الدهرُ. وبمثله قرره الزمخشري في قوله تعالى: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5] في «الكشاف»، وعليه قوله صلى الله عليه وسلّم «هو الطهور ماؤه» عندي يعني: أنك تعلمُ الطَّهُورَ من القرآن: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآء مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] فالطَّهُور الذي تعلمه هو هذا. ومعنى قوله: «الدين» مقصور على النصيحة فقط، وليس بغش فالمبتدأ مقصورٌ والخبر مقصور عليه. وكذا قوله: «الدعاء هو العبادة» معناه الدعاء مقصورٌ على صفةِ العبادة، لا أن العبادةَ مقصورةٌ على الدعاء كما فهمه الناس. فترجمته دعا عبادت هى هى والناس يترجمونه دعا هى عبادت هى. ثم النصيحة لله أن لا تشركَ به شيئًا، وللرسول أن تصدِّقه فيما جاء به، وللأئمة أن تطيعَهم، ولعامة المسلمين أن تتعامل معهم بالخلوص بدون غش، والله تعالى أعلم. وهذا آخر كتاب الإيمان (?).