وإن كان ربًا وحرامًا، لكنه يَقْتَصِرُ على تلك المعاملة، ثم ينتهي، فمضرَّته أهون. بخلاف رِبَا النَّسِيئة، فإنه يجري، ثم يُضَاعف أضعافًا مضاعفةً، فمضرَّته أشدُّ وأَلْزَمُ، وهو الذي يَذَرُ البلاد بلاقع، فكأنه الفرد الكامل منه. والأليقُ بأن يسمَّى ربا، على أنا لم نَرَ أحدًا يَبِيعُ الفضة بالفضة، والذهب بالذهب بزيادةٍ، فلا يتحقَّق فيه ربا الفضل، وإنما يُعْرَفُ فيه من ربا النَّسِيئَة. نحو: أن لا يكونَ عند رجلٍ فضةٌ، وهو يحتاج إلى شراء الفضة والذهب، فيذهب ويشتريه نَسِيئَةً، فهذا هو الربا الذي يجري فيما بين الناس، ولذا خصَّه بالذكر. وهذا التوجيه أَوْلَى مما ذكره الراوي.

والحاصلُ: أن في قوله: «لا ربا إلا في النسيئة»، وإن كان عمومًا، لكنه عموم غير مقصود، والمراد ما قلنا إن شاء الله تعالى.

واعلم أن الغزالي تكلَّم في حُرْمة النَّسِيئَة في النقدين، ولعلَّ في باب الحلال والحرام؛ وقال: إن الأثمانَ كانت كالمعاني الحرفية، لا تُرَادُ لذواتها، فهي آلةٌ للغير، وليست كالاسم، والفعل. وفي ذيله شرح قول النحاة في تعريفها «معنى في نفسه» و «معنى في غيره». فليراجعه، فإنه أجاد فيه، وذكر ما لم يَذْكُرْ النحاة. وملخَّصُه: أن المرادَ من المعنى هو الغرضُ، والغرضُ يكون في نفس الاسم والفعل، بخلاف الحرف، فإنه آلةٌ فقط، ولا غرضَ منه غير الآلية. فالذي فيه الغرضُ هو الاسم والفعل، بخلاف الحرف، فإن الغرضَ منه أيضًا لا يَظْهَرُ إلا في الاسم. وهذا معنى قولهم: إن الحرف، يَدُلُّ على معنىً في غيره، بخلاف أَخَوَيْهِ، فإنهما يَدُلان على معنىً في أنفسهما، لا في غيرهما.

والحاصلُ: أن الأثمانَ كانت كالحروف، أعني الغرض منها يكون في الغير، وهو العروض، فإذا ربى فيها الناس، وأَرْبَى، فقد جعلوها عروضًا، مع كونها أثمانًا، فحرَّفوا طباعها (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015