مؤدَّاه. وليس بضروريًّ عندي، وهذا الشرط لم أَرَهُ عند غيره. ولنَذْكُر لك جزئيات ليتبيَّن لك الحالُ على جَلِيَّتِهِ، قالوا: إنه لو باع فرسًا في الصحراء، فإن كان المشتري يستطيع أن يَقْبِضَهُ بدون إعانة غيره، تحقَّق القبض. فكأنهم نظروا فيه إلى المُكْنَة فقط، ورَأَوْهَا كالقبض. وقالوا: إنه لو باع دارًا أو صندوقًا، وسَلَّم مفاتيحه، فهو قَبْضٌ.
وبالجملة إن القبضَ في البيع والهِبَة والرَّهْن يتحقَّقُ عندنا بالتَّخْلِيَةِ، والمُكْنَةِ على القبض، ولا يحتاج إلى القبض الحِسِّيِّ والنقل. وأمَّا عند البخاري، فلا يُشْتَرَطُ عنده هذا ولا ذاك. بل القبض عنده أعمُّ منهما، بأن المشتري لو أراده لم يَمْنَعْ عنه البائع، وإن بقيَ المبيع مشغولا بقبضه في الحالة الراهنة. فكأنَّ القبضَ يَحْصُل عنده بمجرد الإِيجاب والقَبُول، ولا يحتاج بعد ذلك إلى أمرٍ آخر يُسَمَّى قبضًا. لا أقول: إنه عَيْنُهما، بل إنه قريبٌ منه. فأضيقُ المذاهب فيه: مذهبُ الشافعي، وأوسعُها: مذهبُ البخاريِّ، ونحن في الوسط. ثم إن التصرُّفَ قبل القبض لا يجوز عند الشيخين في المنقولات، وأمَّا عند محمد فمطلقًا.
إذا عَلِمْتَ هذا، فاعلم أنه يُعْلَمُ من تراجم البخاريِّ أنَّ القبضَ عنده لا يحتاج إلى التَّخْلِيَةِ، ولا إلى النقل. وأن تصرَّف المشتري يَصِحُّ عنده، قبل قبض المبيع، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم اشترى بعيرًا من عمر، ولم يُوجَدْ منه القبض، بمعنى النقل، ولا بمعنى رفع العلائق والتمكين، فإنَّ ابن البائع كان راكبًا عليه، فأين التَّخْلِيَة؟ ثم النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لمَّا وَهَبَهُ إياه، وُجِدَ التصرُّف منه في المبيع قبل القبض وحُوسِبَت قبضته الأولى عن القبض من جهة الهبة، ولم يَفْتَقِرْ لتماميتها إلى قبضٍ جديد.
فكلُّ ذلك توسعات محتملة عند المصنِّف، واستدلَّ له المصنِّف من قصّة جابر - في السنة الرابعة - الشهيرة بليلة البعير، ولا تمسُّكَ له فيها، لأنه كان ترك الجمل عند باب المسجد، فيُعَدُّ ذلك تَخْلِيَةً منه. والجواب: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يُرِدْ بذلك بيعًا، ولا شراءً، وإنما أراد أن يَمُنَّ عليه (?)، فاختار صورة البيع فقط. وإذن لا حاجةَ إلى حَمْلِهِ على البيع حقيقةً، والنظرِ إلى استيفاء شرائطه.
2097 - قوله: (فَأَمَرَ بلالا أن يَزِنَ لي أُوقِيَّةً)، وفي بيان الثمن اختلافٌ كثيرٌ، وكذا في أن