قلتُ: والنهيُ عندي في الحديث الأوَّلِ لمعنىً شرعيَ، وفي الحديث الثاني إرشادًا وشفقةً فقط. فإن رمضانَ أمامه، فَلْيَتَأَهَّبْ له، ولْيَتْرُكْ الصِّيَامَ لئلا يَضْعُف قبل رمضان. بخلاف الأول، فإن الناسَ اعتادوا به. ويَصُومُوْنَهُ، وهذا يُوجِبُ هَدْرَ حدود الشرع والتخليط بينها. فأَحَبَّ أن يبقى الفرضُ متميِّزًا عن النفل، فنهى عن صوم يومٍ أو يومين قبله.
وحاصلهُ: أن النهيَ عن التقدُّم بيومٍ أو يومين مُؤَكَّدٌ، بخلاف النهي عن الصوم من نصف شعبان، فإنه بالنظر إلى أُهْبَتِهِ لرمضان. وذلك لأن ليلةَ القدر، وإن كانت في رمضانَ، إلا أنه يُعْلَمُ من بعض الروايات أنها في النصف من شَعْبَان. والوجهُ عندي أنها في رمضانَ. نعم بعض متعلقاتها وتمهيداتها من نصف شعبان، فيُمْكِنُ أن يَصُومَ أحدٌ من نصف شعبانَ لهذا، فنهاه شفقةً، ليستقبلَ شهر رمضان. وإنما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم يَصُومُ شعبانَ كلَّه، أو أكثره لتتمكن نساؤه بقضاء صيامهن، قبل أن يَهْجُمَ عليهنَّ رمضانُ، كما في الحديث.
وههنا حديثٌ ثالثٌ في النهي عن صوم يوم الشَّكِّ، وهو أيضًا يُوجِبُ التقدُّم في بعض الصور، نحو أن يَظْهَرَ أن هذا اليوم كان من شعبانَ مثلا. إلا أنا قُلْنَا باستحبابه للخواصِّ، لأن هذا الصوم لمعنىً صحيحٍ، فإنهم في غيمٍ، ويُمْكِنُ أن يكونَ هذا اليوم من رمضان، كما أنه يُمْكِنُ أن يكونَ من شعبان، لكن صومَ يومٍ من شَعْبَانَ أَوْلَى من إفطار يوم رمضان. بخلاف الصوم لحال رمضان، فإن بناءه على الشكِّ من جهة الوساوس فقط وليس بوجهٍ وجيهٍ، فافترقا، فلذلك نهى عن التقدُّم، واستحبَّ له صوم يوم الشَّكِّ.
1914 - قوله: (إلا أن يكونَ رجلٌ كان يَصُومُ صَوْمَهُ) ... إلخ، ووسَّع له صاحب «الهداية» أيضًا.
15 - باب قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187].
1915 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ