كان حين قدومِهِ إلى مكة، ما أخرجه الطحاوي عن ابن عباس: «أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم تزوج ميمونةَ بنت الحارث، وهو حرام، فأقام بمكة ثلاثًا»، فأتاه حويطب بن عبد العزى في نفر من قريش في اليوم الثالث، فقالوا: إنه قد انقضى أجلك، فاخرج عنا، فقال: «فما عليكم لو تركتموني فعرَّستُ بين أظهركم، فصنعنا لكم طعامًا، فحضرتموه»، فقالوا: لا حاجة لنا في طعامك، فاخرج عنا، فخرج نبي الله صلى الله عليه وسلّم وخرج بميمونة حتى عرس بسَرِف سرف. اهـ.

ففيه دليل على أنَّه قد كان تزوجها من قبلُ حين دخل مكة، ولذا دَعاهم إلى الوليمة، ولما لم يتركوه إلا أن يخرج، نزل بسَرِف، وأولم بها، وكذا يدل عليه ما عند الترمذي: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم تزوجها وهو حلالٌ، وبنى بها حلالا. وماتت بسَرِف، ودفناها في الظلة التي بنى بها فيها» اهـ.

وتعجب الراوي على كون الأمور الثلاثة في موضع واحد. قال مولانا شيخ الهند: وإنَّما يصحُّ التعجب إذا كانت تلك الوقائعُ في أسفارٍ كذلك، فالمعنى أنه تزوجها وهو ذاهب إلى مكة، وبنى بها وهو راجع إلى المدينة، ثم ماتت بها في سَفْرةٍ أخرى، وهذا مما يتعجب منه لا محالة، فإِذا ثبت أنَّه تزوجها في سفره إلى مكة، ثبتَ أنه تزوجها وهو محرمٌ، لأنك قد علمت أن سَرِفَ قريبٌ من مكة، وميقاتُ أهل المدينة ذو الحليفة، فلا بد أن يكون محرمًا عند سَرِف، وإلا يلزمُ مجاوزةُ الميقات بدون إحرام.

فإِن قلت: فكيف بأمر أبي قتادة (?)؟ فإنه اصطاد حِمارًا وحشيًا، وقد كان دَخَلَ الميقاتَ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015