بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

27 - كِتَابُ المُحْصَر

1 - باب الْمُحْصَرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]. وَقَالَ عَطَاءٌ الإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ يَحْبِسُهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: {وَحَصُورًا} [آل عمران: 39] لا يَأُتِي النِّسَاءَ.

واعلم أن الإِحصار عندنا (?)، وعند جماعة من السلف، وأهل اللغة عامٌ للمرض والعدو، كما نُقل عن الفَرَّاء أيضًا. وعند الشافعية يختص بالعدو. وادَّعى بعضٌ من الحنفية أنَّ المحصرَ لا يقال إلا في المرض، أما في العدو فيقال له: محصورٌ، لا محصر. قلتُ: وليس بجيد، فإنَّ الآية حينئذٍ تقتصر على المرض، مع أنها نزلت في العدو بالاتفاق، فإنَّها نزلت في قصة الحُدَيْبِيَة، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلّم فيها مريضًا.

وههنا دقيقةٌ، وهي أنَّ اللفظَ قد يُشتهر في نوع من الجنس، ثم يرد استعماله في نوع آخر من ذلك الجنس، أو في الجنس بعينه، فيجعله الناس مقابِلا كالإِحصار، فإنَّه عامٌ للمرض والعدو، إلا أنه اشتُهر الإِحصار في المرض، والحصر في العدو، حتى تذهب أوهام العامة، أنهما متقابلان، فجعلوا الإِحصارَ مختصًا بالمرض، والحصرَ بالعدو ليس كذلك. وإنما أخذ القرآن في النظم، واللفظ العام، لئلا يختصَ الحكمُ بالعدو، ويعم للمرض، والعدو كلاهما، ونظيره لفظ: «كل» بالكاف الفارسية في اللغة الفارسية، فإنَّه عامٌ، ثم اشتهر في بعض أنواعه. وهذا الذي عَرَضَ لهم في لفظ: «الخمر» فاختلفوا فيه، كما رأيت. والسر فيه ما قلنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015