روته عائشة في البخاري ومسلم: «فطاف الذين أهلُّوا بالعمرة بالبيت وبالصفا، والمروة، ثم حلُّوا، ثم طافُوا، طوافًا آخر، بعد أن رَجَعُوا من مِنىً لحجهم، وأما الذين كانوا جَمَعوا الحجَّ والعمرةَ، فإنما طافوا طوافًا واحدًا». انتهى.

وهذا صريح في أنَّ محطَّ كلامها الفرقُ بين القَارِنين، وغيرهم في حق الحِل. تعني به أنَّ المتمتعين حلوا من عمرتهم بطوافِها، ثم حلُّوا من إحرام الحج بطوافه، واحتاجوا إلى طوافين: طواف للحِلِّ عن عمرتهم، وطواف آخر للحل عن حجهم. وأما الذين كانوا جَمَعُوا الحج والعمرة، فلم يحلوا منهما إلا بطواف واحدًا، ولم يطوفوا للحل طوافين، كالمتمتعين.

وأصرح منه ما عند مسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم «من كان معه هَدْيٌ، فليهل بالحج مع عمرتِهِ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا». وكذا ما عند البخاري في باب ركوب البدن، «ثم لم يَحْلِل من شيءٍ حَرُم منه حتى قضى حجه»، وفيه: «فطاف لهما طوافًا واحدًا، فلم يحلّ حتى حلَّ منهما جميعًا»، كل ذلك دليلٌ على أنَّ المقصودَ الأصلي بيان الحِلِّ دونَ وحدة الطواف أو تعدده، كما فهمه الشافعية.

ثم العجب أنهم شرحوا قول ابن عمر: «ما شأنُ الحجِّ والعمرة إلا واحدًا» أيضًا بمثله، فقالوا: معناه إذا كان التحلل للحصر جائزًا في العمرة - مع أنها غير محدودةٍ بوقتٍ - فهو في الحج أولى بالجواز، - كذا قاله القَسْطلاني - فإذا كان عندهم شأن الحج والعمرة واحدًا - يعني في الحِلِ - فكذلك عندنا معنى طوافهما، فإنَّه أيضًا واحدًا - يعني لأجل الحِل منهما - لكنهم نسوه ههنا، أو تناسوه:

*أصمٌ عن الشيء الذي لا أريدهُ ... وأسمعُ خلقِ الله حينَ أُريدُ

وعندنا قول ابن عمر في حق المانع، أي ما يمنعُ عن العمرة، فهو يمنعُ عن الحج أيضًا، كما يؤيده السياق.

ولنا أنّه ثبت عن علي، وابن مسعود، ومجاهد بأسانيد قوية عند الطحاوي (?): أن القَارِن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015