1558 - قوله: (لولا أن معي الهدي لأحللت) فيه دَلالة على أن المانعَ من إحلاله صلى الله عليه وسلّم لم يكن إحرامه للقِرَان، كما قلنا، بل كان وجودَ الهَدْي، وهو المنقولُ في عذرِ عدم إحلاله صلى الله عليه وسلّم عامة. والمناسبُ على نظر الحنفية أن يقول: لولا أني جمعت بين الحج والعمرة لأحللت، فإنَّ المؤثّرَ حقيقةً عندنا هو إحرامُه للقِرَان، فإنَّه لو لم يكن ساق الهَدْي لما أحلَّ أيضًا.
والجواب: أنه اعتذرَ بالسَوْق، ليتَّضحَ عذرُه لمن لم يكن أهدَى، ليعلموا أنه منَعَه عن الإِحلال الهَدْي، ولا شك أنَّ له مدخلا أيضًا، وأنه لولاه لوافَقَهم في الحِلِّ (?). ومن ههنا ظهر الجواب عما تمسك به الحنابلة، حيث قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلّم وإن كان قَارِنًا، لكنه تمنى أنْ لو كان متمتعًا، ولا ريبَ أنَّ الفضلَ يكونُ فيما تمناه، وذلك أنه تمنى التمتعَ ليكون موافِقًا لهم في الإِحرام، فلا يَعسُرُ عليهم الحِلُّ في البيْنِ، لا لكونه أفضلَ عنده، فقم بالفرقِ بين المقامين، ولا تعجل (?).
قوله: (قال عمر: أن نأخذ بكتاب الله، فإنه يأمرنا بالتمام، قال تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}) تفرَّق الناسُ في بيان مرادِ عمر. وتقرير كلامِهِ على آراء. فقال قائل: إنه كان ينهى عن فسخ الحج إلى العمرة، كما هو مذهب الجمهور، فإنَّه كان مخصوصًا بتلك السنة، كما يدل عليه ما رُوي عن أبي ذر، عند مسلم: «أنه كان خاصًا بذلك العام، ولم يكن للأبد». وأجاز أحمد لمن بعدَه أيضًا. وشدد فيه الحافظ ابن تيمية وتلميذه، فاختارا الوجوب، حتى ذَكَر أن الحجَّ ينفسخُ إلى العمرة بمجرد رؤية البيت، أراد أو لم يرد.
وهذا كما قال ابن تيمية في شرح قوله صلى الله عليه وسلّم «إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، فقد أفطر الصائم»، أي حُكمًا من جهة الشرع، سواء أفطرَ أو لم يُفطر، فكذلك الحاجُّ إذا دخل مكة شرَّفَها الله تعالى، ووقع بصرُه على البيت، فقد انفسخَ حجُّه وصار عمرةً. وحينئذٍ فتقريرُ كلامه أن الله تعالى يأمرنا بالتمام، أي بعدم فسخ الحج، على خلاف مذهب أحمد. وهذا هو الذي فهمه أكثر الشارحين وذهب جماعةٌ: منهم النووي، أنه كان يَنهى عن القِرَان والتمتع،