عليه بالصحة، ولم يَرَ أنها تخالِفُ صحيح البخاري، ومحملها أن الراوي تسامح فيها، فَعَدَّ مجموعَ الثياب التي أُتِي بها لِكَفَنِهِ صلى الله عليه وسلّم وإنْ كان كُفِّن في بعضها. ففي الروايات (?): أنهم أتوا بِحُلَّة ليُكَفَّنَ فيها، فلم يناسِبْها الصحابة. وكذا في الرواية: أَنَّ مولاه شقران قد كان ألقى قطيفته تحته صلى الله عليه وسلّم على غفلة من الصحابة رضي الله عنه، فلما استشعروا بها أمروا بها فأُخْرِجت، وقيل: بَقيت تحته صلى الله عليه وسلّم:
*وأُلقِيتْ في قبره قَطِيْفةٌ ... وقيل: أُخْرِجت وهذا أَثْبَتُ
وكذلك يمكن أَنْ يكونوا أَتَوا بقميصٍ فلم يناسبوه أيضًا. ومن ههنا اختلف في التعبير، فمن نظر إلى الأثواب التي جيء بها للكفن عَدَّها سبعًا، كما في «الكنز». ومَنْ نظر إلى الأثوابِ التي كُفِّن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فيها عَدَّها ثلاثًا، كما في البخاري، وتلك أنظارٌ تَصِحُّ كلُّهَا.
واعلم أنَّ الرافضي عند علماء الجرح والتعديل، مَنْ سَبَّ الصحابةَ رضي الله عنهم، ومَنْ كان حُبُّه مع أهل البيت أَزْيَدَ كان يُسمُّوْنَه شِيعيًّا، ولم يكن العرف عندهم كما شاع الآن، فإنَّ الشيعيّ والرافضي عندنا واحد. فإذا ظهر عندهم من حال أحد أن وجهته إلى أهل البيت رموه بالشَّيعية وغيرها، وليس بشيءٍ فإِنَّا إذا فتشنا عن حاله لا نجده إلا نَاصِحَا لله ولرسوله، فليتنبه. ولا ينبغي أن يتأثر من جرحهم إذا ثبت عنده حال رجل بخصوصه من عِلْمه ودِينه، كأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، فإنه قد بلغ عندنا عِلْمُه وحالُهُ على ضوء الشمس في رابعةِ النهار، واختبرناه بكل ما يمكن، فما وجدناه إلا تِبْرًا أحمر، فلا نتأثر فيه بما قيل. وقال: نعم مَنْ لم يبلغ عندنا حالُهُ وَفَضْله إلا جمليًا، فلا سبيل لنا إليه إلا بالاعتماد على ما قالوا: ولا يحسبن جاهلٌ أو متجاهل أبي أُهْدِر علمَ الجرح والتعديل، أو استخفُّ به، فإنه هو المحك. ولكن أُنبِّه الممارِسَ المزوالَ للفن، فإنه يَمُرُّ مِثْلُ ذلك كثيرًا، فيرى من رجالِ البخاري مِنْ لم يخلصوا من الجرح. ثُمَّ يقلق في مكانه، وتضطرب نَفْسُهُ. أليس قد أقرَّ الحافظ رحمه الله تعالى أن التعصُّب بالمذاهب أيضًا دخل في هذا الباب؟ ثُمَّ الناس أيضًا على أنحاء: بين شديدٍ ولين، فلا سبيلَ إلى الفصل إلا التجربة والممارسة والتفطن لما قالوا، والتنبه على ما فعلوا، وذكل كله للمشتَغِل العاني دون المستريح المجاني، فإنه ليس له إلا الاتباع، ولا عبرة برأيه في هذا الباب، بل لا حَقَّ له أصلا فاحفظه.