أدركنا معناه في التصريحات التي يدلي بها في بعض المناسبات، كإبعاد الملك محمد الخامس عن عرشه. وإننا لا نذكر هذا الحادث كعمل سياسي- إذا صح أن نعبر عن جريمة عشرين أغسطس بهذه الطريقة- بل كمثل نرى فيه إلى أي حد يبلغ احتقار الاستعمار لكرامة الإنسان حتى في التفاصيل الطفيفة، إذ لم يتح للملك في تلك المناسبة المذهلة أن يرتدي ملابسه وهو يقاد قسراً إلى مغادرة وطنه، وإلى أي حد تبلغ إهانة هذا الوطن الكريم في اليوم الذي يغتصب منه ملكه، ويفقد بذلك آخر رمز لسيادته .... باسم الديمقراطية. إننا نتساءل ماذا تعني هذه الكلمة في لغة المسيو بيدو في المناسبات الأخرى، حيث من الواضح أنه لم ينطق بها إلا هذه المرة.
إننا نراجع بعض تصريحات هذا الوزير، مثل التصريح الذي نقلته لنا صحيفة لوموند في عدد يوم 2/ 2/ 1954 حيث يقول خليفة ريشليو ((أنه ليس من المنطق، ولا من سياق الكلام، ولا من مقتضيات الزمان أن تفرض معاهدة سلم على المانيا فرضاً)).
حسناً، فهذه كلمات تعبر دون ريب عن نظرة ديمقراطية واضحة، ولا تشوبها شائبة، ولا غبار عليها، شريطة أن نستطيع تحويلها إلى مضمون تاريخي آخر دون أن تفقد معناها. إذ هذه الكلمات سوف تكون أكثر وضوحاً لو أن الفضل في نصر الديمقراطية في معركة كسينو يعود إلى المسيو أديناور والشعب الألماني لا إلى الجنود المراكشيين من رعايا محمد الخامس، هؤلاء الرجال الذين يمثلون وطنا لم يرع فيه مسيو بيدو ما رعاه في ألمانيا. إنه لم يقل بصدده ((انه ليس من المنطق، ولا من سياق الكلام، ولا من مقتضيات الزمان)) أن تفرض عليه تلك الجريمة، يوم 20 أغسطس (?) الأخير.
حقاً .. إن فوضى الاستعمار تبلبل المفاهيم، وتزيف الواقع وتذبذب الكلام. ولكن الذروة في هذا كله نبلغها عندما يحاول الاستعمار تعقيد الأشياء التي سلبها