أن الجزائريين وجدوا أنفسهم مطرودين من الملاحة بقانون ((احتكار الراية))، وسار الأمر على هذا المنوال في كل الاتجاهات الأخرى، أي في جميع ميادين النشاط التي تتطلب تدريباً مهنياً ومعرفة فنية.

وهذا الوضع يظهر على وجه الخصوص في صورة أي مدرسة مهنية في مدينة من مدن الجزائر اليوم، فإن المدرسة تضم عدداً من الأقسام يناسب عدد الصناعات الموجودة غالباً في الوطن، ولكن الطالب الجزائري يوجه فيها إلى قسم صناعة الخشب على وجه الخصوص، أي إلى صناعة غير مربحة لأن السوق مكتظ بمن يشتغل فيها، بينما يوجه الطالب الأوروبي إِلى الصناعات الميكانيكية التي لها رواج ومستقبل.

وهذا التوجيه ليس من محض الصدف، بل من أثر التوجيه العام للتعليم ((الأهلي)) لأن هذا التعليم ليس موجها في مبدئه لتكوين أطر من الفنيين في الوطن أو إنشاء قيادة صناعية فيه، هو لا يستهدف خلق نخبة مثقفة، وإنما تكوين نواة من برجوازيين صغار يحملون الشهادات، وبالإضافة إلى هذا فإن الثقافة ((الأهلية)) مقدرة بحيث لا تخرج من حدود معينة، وإذا ما أبديت رغبة أو ظهر استعداد في اتجاه خدمة الآخرين، في صورة عمل خيري أو نشاط سياسي، أو في صورة اهتمام علمي، فإِن الصاعقة تنزل على (المجرم) الذي يبدي هذه الرغبة، والجحيم يحيط به من كل جانب.

وإِذا ما أبدى (المثقف) أي اهتمام بالهندسة أو بالآلة المتحركة فإن ثمن الإدانة لا يقل عن ذلك.

فمنذ سنتين نشرت صحيفة ((التيمس)) مقالة رئيسية عن الموقف في تونس مشيدة بالعلاقات الحسنة بين الفرنسيين والتونسيين، فأشارت إلى أن هذه العالاقات قد نجحت ((لأن التونسيين المثقفين يتصفون بالميل إلى الأدب أكثر منهم إلى التكنيك .. )).

إن الإنجليز مشهورون بالمزاح ... فلعل الصحيفة اللندنية كانت تمزح ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015