في مهب المعركه (صفحة 181)

البعض من شعراء التصوف والبعض يعده من شعراء الغزل والخمريات.

ومهما يكن من الأمر، فالتصوف يعتبر الميدان الذي نقدر فيه الأشياء في نوعيتها وخصوصيتها، كل شيء بميزته، وكل شخصية متصوفة بما يميزها، بينما يأتي الدوس هكسلي، فيحاول ضم هذه النوعية في إطار وحدة شاملة، ووضع هذه الأشياء والشخصيات المختلفة تحت قانون عام، في نطاق منهج شامل يحيط بروح التصوف لا بتفاصيله، أي يحيط به كظاهرة خاصة بالفكر الإِنساني.

وهو يصل إلى هذه النتيجة لأن اطلاعه المتسع يتيح له استخدام معطيات كل الثقافات الدينية فيقارن بعضها ببعض، ليصل بعد مقابلة النصوص المختلفة، إِلى حقيقة علمية تعطي التصوف صورة المنهج الموحد، المتشابه الأطراف، المتماسك الأجزاء، المتقارب المصطلحات في مختلف الأديان واللغات، رغم هذا الاختلاف، حتى إننا نجد في التصوف ما يوحد تصوراته واتجاهاته في كل العصور وفي كل البلاد، ويتخذ بذلك في نظرنا السمة التي يطلق عليها ألدوس هكسلي ((الفلسفة الخالدة)).

لا شك أن موقف المفكر الإِنجليزي لا يخلو هنا من بعض الغرابة، ولكن محاولته تذهب إلى أبعد مما يبدو فيها من مجرد غرابة، أو كأنها تتعداها لتأخذ مكانها في محاولة أوسع نطاقاً، هي محاولة التوفيق والتوحيد التي توجه العالم اليوم بصورة غامضة، وسواء عن شعور، أو غير شعور، إلى توحيد مصيره في كل المجالات. فالتصوف يأخذ مكانه، في ضوء هذه الدراسة، في أحد هذه المجالات.

فمحاولة هكسلي تأخذ هكذا مكانها في هذا الاتجاه العام مع محاولات أخرى كالتي يقوم بها روني جنون ومدرسته في نفس الموضوع، ومع ما ينشر من حين إلى آخر ككتاب ((وحدة الأديان من الناحية الميتافيزيقية)) الذي يعبر بمجرد عنوانه عن أهميته بالنسبة لموضوعنا.

فليس إذاً من اللغو أن نتساءل عن مكان التصوف الإسلامي عند هذا المؤلف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015