لقد كان حريًّا بأولئك الذين أفتوا بمشروعية أو مباركة هذه الظاهرة الخطيرة التي عمَّت بها البلوى وأوشكت أن تقضي على مقاصد الشرع برمتها التزام العلميّة والموضوعيَّة والتجرد كما هو منهج المحققين من أئمة السلف الصالح في تعاملهم مع مستجدات العصر، ذلك المنهج الذي يملي على من توافرت فيه أهلية الاجتهاد والإفتاء ضرورة استفراغ طاقته الذهنيَّة والحسيَّة الشاملة والمتكاملة والقائمة على حسن الإحاطة بحقيقة المسألة المجتهد فيها عملا بالقاعدة الأصولية الناصعة المتفق عليها لدى المحقِّقين من أهل العلم بالأصول: الحكم على شيء فرع عن تصوره.
وفضلًا عن ذلك، لقد كان حقيقًا عليهم - في خضم بحثهم عن حكم الله في هذه المسألة - التفريق بين ثبوت الحكم بدليله الشرعيِّ وبين تنزيل ذلك الحكم وتطبيقه على حادثةٍ من الحوادث، فثبوت الحكم بدليله الشرعيِّ في الكتاب والسنَّة لا يعني - بأي حالٍ من الأحوال - نهاية مطاف الهمِّ الاجتهاديِّ، وإنَّما ينبغي أن يعقبه اجتهادٌ آخر سمَّاه الأصوليُّون ذات يومٍ تحقيق المناط، ومقتضى هذا الاجتهاد التحقق من مدى انطباق الحكم الشرعيِّ على حادثةٍ بعينها دون غيرها.