وأقبل الجابي (الكمساري) وهو رجل أسمر طويل، عبوس الوجه، متين البناء، له شاربان كساريتي مركب، فقال لها:

- فلوس!

فمدت إليه يدها بثمانية مليمات، كأنها تمدها إلى سائل، فقال لها:

- هنا بريمو، خمسة عشر مليماً.

فرفعت إليه هذه الكرة المفلطحة التي تسمى في جغرافية جسمها (رأساً)، وصعَّرت خدها، ومدت شفتها، حتى صار وجهها مثل القرعة اليابسة، وقالت:

- أنا ما بْياطي، أنا مش آهِد كوشي.

- خمسة عشر مليماً يا مدام.

فغضبت، وصاحت:

- انتي مِسْريينْ ما بِسِيرلَتِيف أبداً، بِيتَمْ متْوَهش!.

فأسرعت أنزع «المنظار» لألعن أباها، ومن جاء بها إلى مصر، ولكني وجدت (الكمساري) قد سبقني إلى هذه المكرمة، ورأيته قد انقلبت عيناه في أمّ رأسه، واصفر وجهه حتى صار كقشرة الليمونة، وارتجفت شواربه، ولكنه تماسك وتثبت، وصفّر فوقف (?) الترامَ وقال لها:

- لو كنت رجلاً لرأيت، ولكنك امرأة، ونحن لا نمد أيدينا إلى النساء فقومي انزلي.

وأكبرت فعله، وقمت أهنئه وأصافحه، ولولا خشونة خدّه، وأنها لا تطيب قبلته، لوثبت عليه فقبلته، وتمنيت أن يكون كل مصريّ مثله، وحمدت للمنظار ما أرانيه، ولكن الفرصة لم تطل، فقد فتح الباب ودخل منه سائل (?) كأنه في جسمه وفي عينيه بشار بن برد، عليه ثياب لو أن للقذارة (جائزة) عالمية،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015