المنزل؟ ويجيء معه بالغانية راقصة أو بغياً، فيقدمها للمصري بيد ويأخذ منه الإسناد على موسم القطن بيد، ثم تتجمع الأسناد فتأكل الموسم، ثم تعجز المواسم عن سداد الدين، فيملك الأرض، ثم تتبدل الدنيا غير الدنيا، وينقلب الفلك، فيصير السيد عبداً، والعبد سيداً.
هذا احتلال شر من احتلال الجيوش الإنكليزية، لأنه احتلال المومسات: راقصات وأرتيستات، واللصوص: أصحاب متاجر وأعضاء شركات والخلاص منه أصعب وأشق، لأنه لا يكون بالرصاص والبارود، ولا يكون بالمظاهرات والثورات، بل يكون بإعلان (النفير العام) في الكتاب أولاً، وتجنيد القوى الأدبية كلها، للعمل على إعلاء همة هذا الشعب، وأن نعيد إليه ثقته بنفسه، وأن نردّ عليه عزّته وكبرياءه، حتى ترتفع هامته، وتشتد عضلاته، ويشمخ أنفه، ويعلم أنه لا يكون حقيقاً بملك مصر، ولا أهلاً للاستقلال، ولا سليل من ملكوا بالإسلام الدنيا، إن لم يكن عزيزاً في نفسه سيّداً في بلده.
ثم نعمل على أن نصب فيه روح المغامرة، وندفعه إلى اقتحام المخاطر، وركوب الأسفار، ونعلمه حب المال، فما يفلح شعب لا يحب المال، ولا يعرف قيمته، ولا يفلح شعب لا يريد فراق وطنه، ولا النأي عن عشه.
ثم نعلمه بغض الأجنبي، حتى يكون له ديناً، ويغدو له طبعاً، نعم! البغض؛ لماذا تنفرون من سماع هذه الكلمة؟ ألأنها منافية للّطف والمجاملة والكرم؟ يا ناس لقد قتلنا اللطف، لقد ضيعتنا المجاملة، لقد أودى بنا الكرم. الكرم صيّرنا شحادين، والتواضع جعلنا عبيداً، فلنتعلم الاقتصاد، والعزة، أو فلنعلمهما أولادنا إذا لم يمكن أن نأخذ بهما نفوسنا.
ثم لنفهم هذا الشعب أن الأوروبي يضحك علينا بالأرتستات والخمور والأزياء، كما يضحك على زنوج أفريقية بالخرز والأجراس، فلنره أننا عقلنا وشببنا عن الطوق، وأننا لم نعد نرضى أن يضحك أحد علينا، وما لنا ولأرتستاته وعندنا نساؤنا أزكى وأطهر وأجمل وأكمل؟ وما لنا ولأزيائه ولنا أزياؤنا؟ وما لنا ولخموره ولنا ... شرائعنا التي تحرم علينا الخمرة، وأخلاقنا؟.