رجالاً كباراً، لهم طول وعرض، وأناقة في الثياب، ولباقة في الخطاب، وسمت ووقار، فهبتهم وأعددت العدة لتعليمهم، وحشدت كل ما أعطيت من قوة وعلم، على ضعف قوتي وقلة علمي، ومضيت على سنني حتى جاء موعد سؤالهم، فإذا هم من أئمة الجاهلين، وإذا هم لا يحسنون قراءة بيت ولا فهمه ولا إعرابه، ففررت منهم لما عرفتهم، ووجدت أني إن كلمت ثيابهم وهيئاتهم منعتني جهالتهم، وإن خاطبت جهالتهم منعتني هيئاتهم.
فالحكاية ليست حكاية كتابة تسهل، ولا قواعد تيسَّر، ولا أغراض خبيثة تحقق من وراء هذه السُتُر اللماعة، ولا سموم تقدم في هذه الكأس البراقة، ولكنها مشكلة المعلم أولاً، والتلميذ ثانياً.
وما دام في معلمي العربية من هم أصحاب شهادات لا أصحاب علم، خطفوا مسائله في المدارس خطفاً، وحفظوها حفظاً، ومنهم من تعلمها في ديار الغرب، وجاء منها بدكتورات حرب (?) وما دامت دروس العربية تلقى بالعامية، وما دام مدرس الأدب يتكلم ساعة عن أبي تمام وأدبه وما قيل فيه، ولكنه لا يفهم بيتين من شعره، ولا يحسن شرحهما، ويعلم الأدب وما هو بأديب، وما دام يتصدر للامامة في (فن القول) (?) من لا يدري ما يقول - فمن أين يتلقى الطالب العربية؟
فهاتوا المعلم القوي في علوم اللغة، صاحب الاطلاع فيها، والذوق في فهمها، يصلح هو فساد المناهج، ويقوم اعوجاج الكتب، وييسر عسر اللغة، (إن كان فيها من عسر!) وهذا المعلم لا يوزن بميزان الشهادات وحدها، إلا إذا جاء وقت لا تعطى فيه الشهادات إلا لأربابها، وتكون شهادة حق لا شهادة زور، ففتشوا أنتم الآن عن ميزان آخر!
أما التلميذ فيجب أن نحبب إليه المطالعة، ونعرفه قيمة العلم ونذيقه