المثلثات كانت تسعاً من عشر وكنت المجلّى (الأول) في صفِّي (أي فصْلي). أما الكيمياء العضوية فلا أعرف منها إلا أن فيها شيئاً اسمه (الميتان) وتركيبه جزء من الفحم وأربعة من مولد الماء، أي الهيدروجين، وقد درست جغرافية بلاد الدنيا الطبيعية والسياسية والاقتصادية، وكنت مع ذلك كلما سمعت باسم مدينة جديدة يأتي في أخبار الحرب أجدني أجهل مكانها، وأذهب فأسأل عنها الكتب والمصورات أستوي في ذلك أنا ومن لم يقرأ الجغرافية قط (?). وكل من عرفت من الطلاب هذه حالهم لا يستقرّ في رؤوسهم إلا ما يختصون به أنفسهم، وإلّا خلاصات موجزة، أفما كان خيراً لهم لو أقرأناهم هذه الخلاصات من الأصل؟

ولست أقول، دعوا هذه العلوم لا تقرئوها التلاميذ، ولكن أقول إن هذا الخلط بين العلوم الكثيرة يؤدي إلى إضاعتها كلها، وهذا سرّ ما نشكوه من ضعف الطلاب في مصر والشام والعراق في اللغة وهي أداة العلم كله، وما نلمسه من عقم القرائح، وفقد المخترع والباحث. ولو أنا رجعنا إلى طريقة أجدادنا الذين كانوا يتعلمون علمين أو ثلاثة فإذا أحسنوها شرعوا بغيرها لكان أجدى علينا. فمدارسنا إذاً لا توصل إلى الغاية العلمية النظرية، فلننظر إلى الغاية العملية هل تبلغنا إياها؟ هل تعد مدارسنا التلاميذ إعداداً جيداً للنجاح في الحياة وضمان الكسب الطيب والعيش الرغد، مع الخلق القويم والإيمان الديني والقومي؟ الجواب مشاهد ملموس هو أن مدارسنا لا (تكاد) تخرج اليوم إلا أطباء أو محامين أو موظفين. أما الوظائف فعددها محدود لا يمكن أن يتسع لكل المتعلمين ولا ينبغي أن يتسع لهم. أما الأطباء والمحامون في دمشق فقد صاروا من الآن أكثر من اللازم بكثير، وغدا جلّهم يقتنع بالكسب القليل. أما التجارة والزراعة وسائر طرق الرزق فإن أكثر أهلها أو كلهم ... ممن لم تخرجهم المدارس بل خرَّجوا أنفسهم في مدرسة الحياة الكبرى، ولا نستطيع أن نَغْلُوَ فنقول بأن خريجي المدارس يمتازون من الناس بأخلاقهم الشخصية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015