فإن هم وعوه واستقرَّ في قلوبهم، انتقل إلى الدرس الثاني وهو الصلاة ثم الزكاة. منهج مرتب، فما بالنا في غفلة عن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما بال كل داع يخترع منهجاً غيره يبدأ الطريق من وسطه أو من آخره، ويأخذ المسألة من ذنبها، حتى صارت الدعوة فوضى، والطرق فيها متداخلة ومتقاطعة.
وإذا كان شياطين اليهود قد وضعوا مخططات لإفساد بني الإنسان، تستمر على زعمهم أكثر من مئة عام، فلم لا يجتمع حكماء المسلمين من أهل الإصلاح، فيضعون مخططات للدعوة يدعونها: (مخططات حكماء حراء)، ليقوم لأهل الحق مقام (مخططات حكماء صهيون) لأهل الباطل.
إن الدعاة منا كثر، والمسلمون حاضرون ليستجيبوا لهؤلاء الدعاة، فإن لبثوا على خلافهم وتنازعهم، وتضارب مناهجهم، كان عليهم إثم أنفسهم، وإثم هذه الأمة التي تمشي وراءهم، وتقتدي بهم.
وبعد فهل كنت أنا في عملي كله، في هذه السنين الستين، أعمل لوجه الله وحده، لا أبتغي غير ذلك شيئاً، ولا أخلط به دنيا؟ ألم يكن يسرُّني أن يقول لي الصالحون: أحسنت، ويسؤوني أن يقال: أسأت؟ ألم أكن أفرح إن جاءتني كتاباتي وأحاديثي بالمال الحلال؟.
إني اللآن وأنا في آخر العمر وعلى مقربة من القبر، أسال نفسي، أقول: يا نفس أليس بالواقع؟ فتقول: بلى. فيقول: لما يا نفس خلطت قصداً صالحاً بقصدٍ شيء؟ فتقول: إنها طبيعتي التي طبعني الله عليها، والتي لا تقوى على التخلص منها إلا النادر من عباد الله المخلصين.
فأقول: فما جوابك عند سؤال ربِّ العالمين: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} فتقول، أجيب: غرَّني يا رب ما وصفت به هنا نفسك، لتذكّرنا به بعفوك، غَرَّني بك أنك الكريم، فإن عاملتني بعدلك خسرت وضعت، لأني ظلمت نفسي وأسرفت عليها، فأنا أخاف عقوبتك، ولكني لا أقنط من مغفرتك، فاغفر لي وارحمني، وارحم من يقرأ هذا الكلام فيقول: آمين.