بجيوب (?)، فأبدلهم بالعواطف المال، فهم لا يحسون ولا يشعرون ولا يدركون أن الله ما نقص من مال الفقير إلا ليتخذ له في الآخرة إن صبر ذخراً، ولا زاد في مال الغني إلا لينظر أأعطى وشكر، أم بخل واستكبر، ثم لا يكون الغني إلا خازناً لهذا المال يحاسب به يوم القيامة فيشدد عليه الحساب. أفرأيت خازناً في مصرف أو شركة يظن أن المال ماله فيخالف فيه أمر أصحابه، ويمنعه عمن هو حق لهم؟.

المال أيها الأغنياء مال الله فإن زاد لم يمكن إنفاقه إلا على الخلق (عيال الله)، فأروني كيف تأكلون الذهب، وتلبسون (البنكنوت)، وتسكنون صناديق الحديد؟ إن هي إلا معدة تمتلئ بما يقذف فيها والجوع يحسّن لصاحبها كل أدام، وجسد يستقر بما يلقى عليه والنظافة له أحسن حلية، وبيت يُكِن من الحر والقر ولذائذ محللة ميسورة، وما وراء هذا إلا أكل يفسد الهضم، أو سِمَن يهد الجسم وخمر تحرق الأحشاء، وبلايا معها بلايا أخرى من عذاب الضمير والغفلة وضياع الإيمان، أو مآثر تنفع الناس وترضي الله، ويجد صاحبها مكافأتها الاطمئنان والمجد في الدنيا، والثواب من الله في الآخرة، وهذه حكمة واحدة من حكم الله في الغنى والفقر لو تدبرتموها لفتحت آذانكم فسمعتم كلمة الحق، وكشفت الغشاوة عن عيونكم فقرأتم في خلق الله وفي كتابه آيات الهدى، ولكن اللذاذات قد شغلتكم يا أيها الأغبياء من الأغنياء.

...

على أنه ليس أشدّ على الفقراء من منع الغني المترف صاحب الأطيان والمتاجر وبخله وصلفه وتبذيره ... إلا الموظف الكبير الذي ينال وهو قاعد على كرسيّه لا عمل له إلا تشريف أوراق الدولة بتوقيعه الكريم ينال الثمرة التي يتعب فيها الفلاحون، يجدون ويشتغلون في وقدة الضحى تحت الشمس المتسعرة، وفي زمهرير الليل تحت النجوم التي ترتجف أشعتها من البرد، ليقدموا لهذا الموظف الكبير ثمن سيارته التي يسوقها ابنه خلال الحقول تياهاً مستكبراً وقصره الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015