من في قلبه إيمان، كما تشحن الذاخرة (أي البطارية) بالكهرباء إن كان لا يزال فيها بقية من كهرباء.
لقد كان في قريش عقلاء، وكان فيهم أولو فهي، ولكن لما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه ذهب إلى القدس ورجع من ليلته لم يستطع أكثرهم أن يصدق، وكاد يتزعزع إيمان بعض من قد آمن، ولو أنت قلت اليوم لأقل الناس علماً وأكثرهم جهلاً: لقد ذهبت أمس من جدة إلى عمان ورجعت، لما عجب، ولما رأى في ذلك شيئاً يتعجب منه.
إني حين أفكر فيما كانت عليه الدنيا وأنا في صدر حياتي ومطلع صباي، وما هي عليه الآن أحسُّ كأني صعدت إلى رأس المئذنة ووقفت عند الهلال، لا أستند إلى شيء، أنظر من تحتي إلى ما حولي فأحسُّ أنَّ الدنيا تدور بي، حتى أكاد أسقط على رأسي.
لقد كان تبدلاً يكبر عن التصديق، ولكن هل كان خيراً كله؟ الجواب: لا. هل كان شراً كله؟ الجواب: لا. إن فيه خيراً من الواجب علينا أن نتمسك به، وفساداً علينا أن نصلحه، ومن هنا حاولت، وأنا أكتب وأؤلف وأخطب وأحاضر (من ستين سنة) أن أجعل حظاً من عملي هذا في سبيل الله ثم (في سبيل الإصلاح).
فكيف نسلك هذا السبيل؟
إن ما وصلنا إليه فيه الطيب وفيه الخبيث، فكيف نميز الخبيث من الطيب؟
وإن ذلك كله يتبدل ويتغير، فأين الثابت الذي لا يعتريه تغيير ولا تبديل لنتخذه مقياساً يكون به هذا التميز؟ أين الطيب الذي لا خبيث فيه، والحق الذي لا باطل معه؟
الجواب واضح بين لمن أعمل فيه فكره، وكان فكره مجرداً عن الهوى.
هو أن البشر يخطئون ويصيبون، فلنرجع إلى من لا يخطىء أبداً، والذي