الأحزان والأشجان، وتبعث على تذكر ما كان لها، وما حدث فيها، فتهيج الذكريات، وتتمثل أمام القلب صور الماضي الحلوة، فتطرب لها النفس وتهش، وتستعيد ما لها من لذة وبهجة، فإذا الهدوء النفسي يعود، والعين تكف عن الدموع، وتتدفق الشاعرية، وينطلق اللسان، حاكيًا ما يرى القلب من صور الجمال.
وقد وصف الشعراء الجاهليون جمال المرأة الجسمي، كأنما كانوا يريدون أن تكون ماثلة أمام العيون فتسر برؤيتها، وتنشرح النفوس بمنظرها، وقد حاول الكثير منهم أن يتتبع جسمها جزئية جزئية، لترى بجمالها الكامل من ناصيتها إلى قدمها. ويندر أن نجد شاعرًا جاهليًّا قد خصص قصيدة طويلة بأكملها للغزل. وإنما الشائع أن القصائد الطويلة كانت غالبًا تبدأ بالحديث عن الأطلال ورحلة الحبيبة، ثم الحديث عن أوصاف هذه المحبوبة، ولكن الشعراء كانوا يختلفون في ذلك طولًا وقصرًا، فمنهم من كان يسهب في هذه الأوصاف، ومنهم من كان يوجز. ومن روائع الشعر الغزلي في الجاهلية، قصيدة لطرفة بن العبد428، وهي طويلة، نصفها الأول في الغزل حيث تعرض لأوصاف الحبيبة وجمالها الجسمي، وما تعيش فيه من نعمة ورفاهية، وتنقلاتها بين أنضر الجهات في كل فصل من فصول السنة، وأثر فراقها في نفسه، وما يحسه من اللوعة والأسى لبعدها، وما يعتاده من خيالها، وفيها يقول 428:
أصحوت اليوم أم شاقتك هر ... ومن الحب جنون مستعر429
لا يكن حبك داء قاتلا ... ليس هذا منك ماوي بحر430
كيف أرجو حبها من بعدما ... علق القلب بنصب مستسر431