ألهى بني تغلب عن كل مكرمة ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يروونها أبدًا مذ كان أولهم ... يا للرجال لشعر غير مسئوم
فالرواية الشفهية كانت سبيل النشر والحفظ والبقاء للآثار الأدبية وبخاصة البدو، أما في الحضر فيجوز أن كان من بينهم من دَوَّن آثاره. والرواية الشفهية -مع أن فيها ما فيها من صعوبة واحتمال للخلط أحيانًا- تعتبر وسيلة مضبوطة للنقل الصحيح، فهي ليست إلا النطق والسماع والمشافهة، وفيها تلقى العبارات مضبوطة، وتتلقى صحيحة، وذلك يجعلها بعيدة كل البعد عن التصحيف الذي هو أظهر عيوب الكتابة والنقل عن الكتب، مما دعا اللغويين وثقات الرواة إلى أن يتحاشوا النقل عن صحيفة3 مهما كانت، وبخاصة قبل النقط والشكل.
وكان أشد العشيرة تعلقًا بأدبهم من كان يحس في نفسه أن لديه الموهبة الأدبية فكان الناشئ الموهوب يتعلق بالأديب أشد تعلق، ليتلقى منه كل ما ينتج، وهذا الناشئ بعمله ذلك إنما يغذي موهبته الأدبية، وينمي مقدرتها، حتى يتكامل نموها ويتم نضجها، وبجانب هذه الفائدة الشخصية التي يحققها لنفسه، كان يحفظ هذه الآثار، ويصونها من الضياع، ويعمل على نشرها وإذاعتها بمداومة مدارستها وتكرارها. ومن ثم نشأت السلاسل في كثير من القبائل، مثل:
سلسلة أوس بن حجر الذي كان زوجاً لأم زهير بن أبي سلمى، فنشأ هذا راوية لأوس، وعن زهير أخذ ابنه كعب4.
وسلسلة المسيب بن علس خال الأعشى، راويته5.
وسلسلة المهلهل خال امرئ القيس.
وسلسلة المرقش الأكبر عم المرقش الأصغر عم طرفة بن العبد. وسلسلة الهذليين6.
وبجانب اهتمام أفراد العشيرة بأدبائهم كان يهتم بهم كذلك كثير ممن لا يمتون إليهم بصلة القرابة أو العصبية، حبًّا في الأدب ورغبة في تثقيف عقولهم، وتغذية مواهبهم، وتنمية