وإذا كانت طريقة الشاعر غير هذه الطريقة، وكانت عبارته مقصرة عنها، ولسانه غير مدرك لما يستمدّ دقيق المعاني من فلسفة اليونان، وحكمة الهند أو أدب الفرس، ويكون أكثر مما يُورده منها بألفاظ متعسفة ونسج مضطرب، قلنا له: قد جئت بحكمة وفلسفة، ومعانٍ لطيفة حسنة، فإن شئت دعوناك حكيمًا، أو سمعناك فيلسوفًا، ولكن لا نسميك شاعرًا، ولا ندعوك بليغًا"1.
ويلتقي الآمدي مع القاضي في النص السابق، في أن جلال الصورة وجمالها لا يرتبط بفخامة اللفظ، ومهارة الصنعة، وكثرة ألوان البيان والبديع.
ثانيًا:
يدرك الآمدي الجمال في اللغة، وسحره في الصورة، فيجعل اللغة غاية في ذاتها ولو مجردة عن حكمة أو فلسفة، فهي كفيلة في ذاتها بالروعة والجمال، لأن الغرض منها إصابة المعنى، وإدراك الهدف، لا أن يحمل الشاعر لغته ما لا تطيق، وهو متأثر في هذا يقول البحتري:
والشعر لمح تكفي إشارته ... وليس بالهذر طولت خطبه
يقول الآمدي: "وإن اتفق له معنى لطيف، زاد في بهاء الكلام، وإن لم يتفق قد قام الكلام بنفسه واستغنى عما سواه" 2.
ويرى د. مندور أن الآمدي اهتدى بهذا إلى أن اللغة ليست وسيلة، ولكنها غاية لأنها تتضمن عناصر التصوير والموسيقى: "ويكون من حسن الذوق، وسلامة الحس بحيث يقيم للنسب الدقيق بين اللغة كوسيلة، واللغة كغاية في