وهذا هو العمل الفني في القصيدة الشعرية وهو ممتزج بالصورة الأدبية امتزاجًا كاملًا في العملية الشعرية، عندما ينقل الشاعر بموضوع ما ويعاقبه، فيعمد إلى نظمه في قصيدة، ويحضر المعاني، ويعيش معها في صراع داخلي، يعمل فيه العقل والوجدان والمشاعر، فإذا استوى لديه الشكل في ألفاظ تتلاءم معها، ثم اختار لها القالب الموسيقي الذي يتناسب معها قافية ووزنًا، شدَّ جزئيات القالب بألفاظ وصور على هذا النمط، حتى يستقيم البيت من الشعر، وهكذا بقية الأبيات يختار لكل معنى في أبيات القصيدة صورة أدبية، تتفق معه دلالة وإيقاعًا، فإذا فرغ من القصيدة عاودها مرة مرة، فإذا وجد هناك ثغرات ملأها في المعاودة والمراجعة، فيصل ما انقطع بين المعاني بمعنى مناسب، أو ما قدر بين الصور "الأبيات" بصورة تتآلف مع أخواتها، وكذلك الأمر في لفظة شاردة أو قافية قلقة، فيأخذ بيده هذه ويضع بالأخرى تلك.
والشاعر في تصويره وتأليفه كالنساج الحاذق، الذي يحكم نسجه، ويصقل ثوبه وكالنقاش الذي يختار في نقشه أحسن الألوان، ويرتبها، يمزجها بالقدر اللازم، ويركز فيها حتى تخلب العيون، وكناظم الجواهر، الذي يؤلف بين حباته النفسية لتأخذ كل حبة مكانها الأصغر فالصغيرن فالكبير فالأكبر، وهكذا يصنع في نظم العقد وتنسيقه، والناقد الكبير يبين:
أولًا: عملية التحضير للقصيدة بما فيها من إعداد المعنى الذي هو هنا أوسع نطاقًا من الفكرة والغرض والتجربة الشعرية، يدل عليه قوله "إذا أراد الشاعر بناء قصيدة، فحضر المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه".
ثانيًا: المعاني المجردة إنما تكون في الذهن "في فكر الشاعر نثرًا".
ثالثًا: أن الشاعر وهو يعاني التجربة، يشكل أثناء ذلك عن المعاني صورًا شعرية متناثرة: "ويعدّ لها ما يلبسها إيَّاه من الألفاظ التي تطابقه".