إليه في نفسه، ولكن ليعلم أنه المقصود من بين سائر الأشياء التي تراها وتبصرها؛ كذلك حكم اللفظ مع ما وضع له. ومن هذا الذي يشك أنا لم نعرف الرجل والفرس والضرب والقتل إلا من أساميها؟ لو كان ذلك مساغا في العقل لكان ينبغي إذا قيل زيد أن تعرف المسمى بهذا الاسم من غير أن تكون قد شاهدته أو ذكر لك بصفة ... وإذ قد عرفت هذه الجملة فاعلم أن معاني الكلام كلها معانٍ لا تتصور إلا فيما بين شيئين، والأصل والأول هو الخبر، وإذا أحكمت العلم بهذا المعنى فيه عرفته في الجميع، ومن الثابت في العقول والقائم في النفوس، أنه لا يكون خبر حتى يكون مخبر به ومخبر عنه، ومن ذلك امتنع أن يكون لك قصد إلى فعل من غير أن تريد إسناده إلى شيء. وكنت إذ قلت: اضرب، لم تستطع أن تريد منه معنى في نفسك من غير أن تريد الخبر به عن شيء مظهر أو مقدر، وكان لفظك به إذا أنت لم ترد ذلك وصوت تصوته سواء.
1- أن الألفاظ لم توضع كما أنها لا تستعمل لتعين الأشياء المتعينة بذواتها، وهذه هي نظرية الرمزية في اللغة التي أوضح المفكر الألماني فنت Wundt1 حدودها؛ وذلك لأنه لدينا عن طريق تجاربنا المباشرة أو تجارب الغير صورة ذهنية لكل شيء ولكل حدث، وإنما نضع ألفاظ اللغة ونستعملها لنحرك هذه الصورة الذهنية الكامنة، فعندما نقول: "رجل" لا يمكن أن يثير هذا اللفظ في نفوسنا شيئا، ما لم يكن في ذهننا صورة الرجل، اللفظ رمز لها ومحرك.
2- ونحن لا نستخدم ذلك اللفظ لنحرك الصورة الذهنية تحريكا نريده لذاته، وإلا كنا مجانين، وإنما نفعل ذلك لأننا نعتزم أن نخبر عن "الرجل" بشيء ما، وهنا يلحق الجرجاني بأكبر مدرسة حديثة في تحليل اللغة، أعني مدرسة العالم السويسري الثبت رأس علم اللسان الحديث فردينانمد دي سوسير F. de Saussure2 ثم اللغوي الفرنسي الذائع الصيت أنتوان مييه "صلى الله عليه وسلم. Meillet" ولقد كتب هذا العالم الأخير فصلا3 هاما عن منهج الدراسة