ولقد مرت بمصر حادثة فظيعة لم يقل فيها شوقي أول الأمر شيئًا، تلك هي حادثة دنشواي1، ولم ينطق إلا بعد مرور عام، وبعد أن ذهب كرومر من مصر. ولقد أظهرت هذه الحادثة رجال الاحتلال على حقيقتهم، وعرفت المصريين مقدار كذبهم ونفاقهم، لم يكن القصد الجنائي في هذه الحادثة متوافرًا في قليل أو كثير، فهي من أولها إلى آخرها قضاء وقدرًا، فلو أن صيادي الحمام ابتعدوا قليلًا عن جرن الغلال لما حدث شيء، بل لو هدأ هذا الجندي المصاب، ولم يجر فزعًا مسافة طويلة في الشمس المحرقة لما خر صريعًا بضربة شمس لا بضربة العصا، كما اعترف بذلك تقرير الطبيب البريطاني نفسه.

ولكن رجال الاحتلال فقدوا أزمة أعصابهم، وطغت عليهم سورة الانتقام، على نحو ضاعت معه كل مظاهر العدالة التي هي أول واجب عليهم، كما أنها من أوائل حقوق المتهمين، ولكن كيف تذكر العدالة، وقد تصرف الإنجليز بنزق وطيش، حتى إنهم أرسلوا المشانق من القاهرة إلى دنشواي قبل أن تعقد المحكمة لنظر القضية، ولقد كانت محكمة عسكرية ممسوخة التكوين جل أعضائها من الإنجليز، فهي الخصم والحكم وتحاكم قومًا مدنيين، لا جنودًا محاربين. وفي إبان السلم لا في زمن الحرب، وفي وقت يسود فيه النظام والهدوء فلا أحكام عرفية، ولا إجراءات استثنائية؛ وهي محكمة لا تتقيد بقانون وحكمها غير قابل للطعن فيه أو النقض له، أو حتى لمجرد التعديل أو المراجعة او التصديق، بل حكمها مبرم كأنه القضاء النازل لا راد له، ولا حِوَل عنه. ومتهمون يساقون في عجلة متناهية إلى محكمة، ودفاع متخاذل لم يكترث بخطورة الاتهام، ولم يتناسب مع شدته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015