المجاهدين ضد الاحتلال مستقلون عن سموه كل الاستقلال، فهو إن قال كلمة في صالح الحركة الوطنية خدم نفسه وعرشه واستمال أمته إليه، وإن عمل ضدها أضر نفسه وعرشه ونفر أمته منه"1.

أيقظ مصطفى كامل ورجال الحزب الوطني، ورجال الخديو عباس وعلى رأسهم الشيخ علي يوسف في المؤيد الشعور الوطني، وكان طبيعيًّا أن يظهر هذا الشعور في الأدب ولا سيما في الشعر؛ ولو نظرنا إلى شعرائنا الذين اشتهروا في ذلك الوقت وجدناهم يقفون من الاحتلال وشئونه مواقف متباينة، مع أن الواجب كان يقضي عليهم بأن تكون نظراتهم إليه واحدة؛ نظرة الساخط الغاضب الحانق على الحرية المسلوبة والحق المضاع، والظلم البين، والوطن المستباح. ولكنهم تأثروا بعده عوامل بعضها شخصية وبعضها سياسية.

أما شوقي فكان شاعر القصر، وكان القصر متحفظًا في مجاهرته بالعداء للإنجليز، يساعد الوطنيين سرًّا، ولكن لا يريد أن يظهر حتى لا يتمسك عليه المحتل الغشوم بشيء فيسطقه عن عرشه، وهو صاحب الحول والطول والجيش المحتل، المدجج بالسلاح، وكثيرًا ما اصطدم بكرومر، ولكن الكلمة الغالبة والرأي النافذ كان في آخر الأمر لممثل الاحتلال2 وظلت علاقته بكرومر سيئة حتى بعد أن انفصل عن الحركة الوطنية إلى أن ترك كرومر مصر؛ وذلك لأن كرومر كان عاتيًا جبارًا، وقد حدث بينهما ما لا يدع مجالًا للوفاق على الرغم من تساهل عباس وإظهاره الرضا عن الاحتلال، فقد كان من عادة الجيش البريطاني أن يقوم بعرض عسكري في يوم عيد ميلاد ملكهم وكان كرومر يرأس هذا العرض. ثم رأس خلفه "الدون جورست" ومنذ سنة 1904 ابتدأ عباس يحضر هذا العرض ويقف تحت العلم البريطاني في ميدان عابدين إلى جانب كرومر، وقد اشتدت عليه حملة الوطنيين لذلك مما اضطره إلى التنصل، وإصداره بلاغًا يعزو فيه وجوده في أثناء العرض إلى محض الصدقة، ولكنه فعل ذلك في العام التالي، فهاج الطلبة، وثارت الصحافة وحدثت بعد ذلك حوادث اضطرته إلى العدول عن حضور العرض3. ومن أمارات تساهل عباس مع كرومر كذلك أنه رضي بأن يعين له

طور بواسطة نورين ميديا © 2015