وترى مصطفى صادق الرافعي يجاري شعراء زمانه فيمدح عبد الحميد بثلاث قصائد1، وقلما أحجم شاعر مصري مسلم عن إظهار عاطفته لخيلفة المسلمين وللأتراك، بل إن إعلان الدستور في تركيا كان عيدًا عامًّا لدى المسلمين في كافة أنحاء الأرض، وسجل شعراء العربية أينما حلوا سرورهم بزوال الطغيان وحكم الفرد، وبدء عهد جديد من الحرية سيان في ذلك المسلمون والمسيحيون2.

ومهما يكن تأويل رجال الحزب الوطني، وحزب الإصلاح لولائهم لتركيا وعرش الخلافة، فالحق الذي لا مرية فيه أن فكرة القومية المصرية لم تكن حتى نهاية القرن التاسع عشر قد نضجت النضج الكافي، ولم يكن المصريون يفكرون جديًّا في الاستقلال التام عن تركيا، وإن طمع في ذلك إسماعيل، بيد أن تركيا والدول قد كادوا له؛ وإن ظهر ذلك على لسان أحمد عرابي كما بينا ذلك في الجزء الأول وعلى لسان عبد الله نديم في الأستاذ، ونادى كلاهما بأن مصر للمصريين، ولكنها لم تكن دعوة مؤسسة على عقيدة ثابتة3.

وكيف تظهر فكرة الانفصال عن تركيا وخديو مصر يستمد سلطانه الشرعي من الخليفة ويدين له بالولاء ولو اسميًّا؟

أجل! ظهر في مصر حزب لم يكن راضيًا عن هذه السياسة4 وشجعهم الإنجليز على ذلك، وأخذوا ينددون بمساوئ الحكم التركي بعامة، وبعهد عبد الحميد الطاغية بخاصة، استمع لخليل مطران يعزي الآستانة حين أشعلت فيها النار بعد صدور الدستور، واتهم بذلك أنصار عبد الحميد؛ إذ لم يطق صبرًا على حكم الشورى، وخلع في سنة 1909، وتولى بعده السلطان محمد الخامس.

فروق لا تستيئسي وذوى ... بالحق عن دستورك المجيد

مكايد الطاغية المريد ... وفتك أهل البغي والجحود

بالأبرياء الآمنين القود ... والشيب والأطفال في المهود4

شر العدى لعهدك الجديد ... أصلوك نارهم بلا وعيد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015