وأكبر ظاهرة تستحق منا العناية قبل أن نفرغ من هذا الجزء ظهور جريدتين إسلامتين كان لهما شأن عظيم في تاريخ مصر، وفي توجيه الحركة والإصلاح الاجتماعي, وقد أشرنا إليهما فيما سبق إشارات عابرة, ولكن سنخص المؤيد هنا بكلمة؛ لأن الصحافة اليومية المشهورة بمصر كانت إلى ظهور المؤيد واللواء سورية تتحكم فيها نزعات وأهواء متباينة، وأما اللوء فله شأن آخر, وموعدنا به في الأجزاء التالية -إن شاء الله؛ لأنه أنشيء في السنة الأخيرة من القرن التاسع عشر، والكلام عنه يطول.

المؤيد:

والفضل في ظهور المؤيد يرجع إلى سياسة الإنجليز واصطناعهم أصحاب المقطم، فإن هذا أثار حفيظة الوطنيين، فتقدم الشيخ علي يوسف1 صاحب مجلة الآداب لإخراج المؤيد, جريدة وطنية مصرية, وشجعه رياض باشا وكثير من زعماء مصر2، وغدت المؤيد ميدانًا تتألف فيه الأقلام الوطنية الجريئة, تثيرها حربًا شعواء على الاستعمار الإنجليزي وعلى الأجانب الذين يناصرونهم، ونازلت المقطم نزالًا عنيفًا مرًّا، فما لبثت أن راجت حتى صارت أقوى جريدة عربية في الشرق العربي كله، وفسحت صدرها لمصطفى كامل ولفئة صالحة من كتاب الشباب، وتلاميذ جمال الدين ومحمد عبده3, وعنيت بالمسائل الوطنية في جميع نواحيها، وبالأمور الإسلامية، ولم يستطع الإنجليز أن يعطلوها كما عطلوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015