الواحد على أشكالٍ متعددة فيبهرك تفننه في القول أكثر مما يبهرك ابتكاره للمعنى، وإن شئت فقل: إن لسانه أمهر من عقله"1.

هذا هو ما يقول الأستاذ أحمد أمين، ويقول مثله توفيق الحجيم2 وعباس العقاد في الفصول3 ونسي الأستاذ أحمد أمين حين أنكر أن العرب عرفوا المثل الأعلى, أو أشاروا إليه, قوله تعالى: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 4 وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 5 وأما أن المثل الأعلى كلمة واحدة أو كلمتان, فهذا لا يقدم في القضية ولا يؤخر، فلا الكلمة الواحدة تدل على عمق الخيال ولا الكلمتان تدلان على تقصيره، وهذا الكلام -وللأسف- صدًى لما يفتريه الشعوبيون على العرب، وما يقدمونه للانتقاص منهم والغض من شأنهم قديمًا وحديثًا.

ولنعد إلى القصة وإلى هذه الخرافة -خرافة العقلية السامية والعقلية الآرية- فالقصة الفنية لم تعرف في الأدب العربي إلى سنة 1740م؛ حيث ألف "رتشردسن" قصته "باملا"6، وعدها النقاد قصة فنية, بل عدوها القصة الأولى، واشترطوا في القصة الجديرة بهذا الاسم شروطًا أهمها أن تكون واقعية، وفرقوا بين القصة وبين الشعر في هذا الباب بقوله: "الشعر صوت ينطق بما هو خارق للمألوف، وبما هو أسمى من مجرى الحياة المعهودة, وبالإحساس النادر الذي لا يلم بالإنسان إلّا قبسات متباعدة، فهو على الجملة يتحرك في مجال أعلى من مجال الحياة الواقعية، أما النثر فهو -على نقيض ذلك- أداة تعبر عن كل هذه الأشياء تعبيرًا أدق وأوفى مما يستطيع الشعر.. من هنا كان النثر أداة ملائمة للتعبير عن حوادث الحياة اليومية التي تجري على المألوف، ولا تكون عظيمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015