أما عن الأدب فلا داعي للتعصب, اللهم ما أشاعوه عن أسطورة العقلية السامية والآرية حين كلامهم عن خلوِّ الأدب العربي من القصة، وتعليلهم لهذا بذلك التعليل السخيف، وهو عقم الخيال العربي وإجدابه1، ولعلك لم تنس الضجة التي أثيرت حول كتاب "في الشعر الجاهلي" للدكتور طه حسين, وما ثبت من أنه تأثر فيه برأي "مرجوليوث" وأخذه آراءه هذا المستشرق قضية لا جدال فيها، فأنكر قصة إبراهيم وإسماعيل, وشك مثله في معظم الشعر الجاهلي2, وقلَّ منهم من خلا من التعصب الديني أو الجنسي.
وللمستشرقين أخطاء كثيرة، يرجع بعضها إلى جهلٍ بالمصلطحات العربية وعدم معرفة معانيها الصحيحة، وتدعوهم إلى استنباطاتٍ فاسدة، فكازانوفا مثلًا يترجم كلمة أمي بشعبيّ، وكازميرسكي يترجم قوله تعالى للملائكة: {اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} باعبدوا آدم, وأحيانًا يبالغون في التحليل والتعليل والتأويل، ويحاولون أن يجدوا شيئًا لم يوجد قط، فيضلون سواء السبيل، فترى كازانوفا مثلًا عند بحثه في "إخوان الصفا" يقع على نص في رسائلهم، ويجتهد في أن يستنبط منه تاريخ تأليفهم الرسائل بطريقة مضحكة أبعدته عن الصواب كل البعد2.
وعلى الرغم من كل هذا، فأخطاؤهم العلمية قليلة، وهي مغتفرة لهم إذا راعينا أنهم يبحثون في ديانات غيرهم ولغتهم وآدابهم وأخلاقهم، وأخطاؤنا نحن أكثر من أخطائهم وأشنع، ولا نستطيع أن نغمطهم حقهم، وننكر أياديهم على الأدب العربي والأبحاث الإسلامية واللغوية والاجتماعية، ونشرهم مئات الكتب والمخطوطات الثمينة التي أتاحت لنا معرفة ما كان عليه أسلافنا حق المعرفة، إننا لا زلنا نتلقى عنهم الكثير، وسوف نظل كذلك إلى أن يتاح لنا نقل صورة صحيحة من المخطوطات النادرة الموجودة لديهم، ونسخ الكتب القيمة التي تعوزنا في البحث، وإلى أن يتفرغ منا العلماء للبحث الطويل الشاق دون مراعاة الزمان والجهد كما يفعلون، وحينئذ نستطيع أن نجاريهم في مضمارهم، لهم فضل السبق.