3- عبد الله نديم:

أعجوبة من أعاجيب عصره، يقف وحده في كل ما تميز به من سجايا، لا يدانيه فيها امرؤ من أهل زمانه؛ ويخيل إليك وأنت تقرأ سيرته أنك أمام رجل من رجال الأساطير, يروعك بذكائه الخارق، وقوة عارضته، ومتين حجته، وشجاعته الفائقة، وبحياته المليئة بالأحداث، وبما بلغ من شهرة، وبما حارب من أبطال، وبما أفزع من دول, ولم يكن في حسب جمال الدين وعلمه، ولم يدرس ما درس محمد عبده, وإنما نشأ في بيئة فقيرة1 فعانى البؤس وشظف العيش؛ ولكن الله الذي يهب العبقرية لمن يشاء أودع حظًّا كبيرًا منها في رأس عبد الله النديم، وزوَّدَه بنفس شجاعة، ويد سخية، وكانت هذه الخلال رأس ماله الذي واجه به الحياة, وقد استطاع أن يسجِّلَ اسمه لامعًا في سجل الخلود.

دراسته وتجاربه:

لم يرق لعبد الله العلم الذي وجده بمسجد الشيخ إبراهيم باشا، وهو عِلْمٌ شيبه بما كان يدرس في الأزهر حينذاك، ووجد في جفاف العلوم، وعقم الطريقة، ورداءة الكتب وركاكة عبارتها, ما نفره من الأزهر المصغر، وحُبِّبَ إليه نوعٌ آخر من الدارسة تهواه نفسه، وينسجم مع ما أودع فيها من مواهب؛ فغشي مجالس الأدباء يسمع شعرًا وزجلًا، ونوادر وقصصًا, فتهتز نفسه طربًا، ويتمنى أن يكون أحد هؤلاء الشعراء أو الزجالين؛ وكانت له ذاكرةٌ حادةٌ تلتقط كل ما تسمع فوعى كثيرًا.

وقد كان لهذا أثرٌ كبيرٌ في حياته الأدبية، ولا سيما وقد خالط أبناء الطبقة الفقيرة, وجمهرة الشعب, ووقف على عاداتهم وأمثالهم ونوادرهم وظروفهم وسرعة بديهتهم، فتاثرت بذلك نفسه الحساسة وذوقه المرهف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015