وليس هذا كل ما فعله الشيخ درويش من توجيه لتلميذه، بل كان يلقاه في الإجازات الصيفية بعد عودته من الأزهر، ويلومه على عزلته وعدم الاختلاط بالناس ودراستهم وإفادتهم بما عرف، وكان يغشى به المجالس, ويحمله على أن يتحدث إلى الناس ويجيب عن أسئلتهم ويكون لهم مرشدًا؛ لأن العلماء الذين يعنون بعلمهم على الناس لا خير فيهم، وقد بقي الشيخ محمد عبده حتى مات وهو يعمل بهذ النصيحة، ويرشد الناس كبارًا وصغارًا, رعيةً وساسةً، فرحم الله الشيح درويشًا, لقد أدى للإسلام ولمصر وللشرق خدمة جليلة.
في الأزهر:
وتحول الشيخ محمد عبده من الجامع الأحمديّ إلى الأزهر، وكان الأزهر في ذلك الوقت على حالة من الفساد لا تطاق، وبحسبك أن تقرأ تقريرًا وضعه الشيخ عبد الكريم سلمان1 عن هذا المعهد وحال أساتذته وطلبته، ومدة الدراسة فيه2 وحال العلم، فإن الكتب التي كانت تدرس به من نتاج العصور المتأخرة, يدرسها أساتذة لا يفهمون الغاية منها، ولا يستطيعون كتابة أربع جمل صحيحة3، وكان به كثير من ضيقي الفكر الذين يرمون الناس بالزندقة والكفر جزافًا؛ مثل: الشيخ عليش، ولكن كان به مَنْ هيأتهم الظروف لأن يتسع أفقهم بعض السعة كالشيخ البسيوني، والشيح حسن الطويل، وكان ذكيًّا حكيمًا له نظرات في الحياة صائبة، يقرأ الفلسفة فيُرْمَى بالزندقة.