ولقد ظَنَّ كثيرٌ ممن شاهدوا التجارب العلمية التي أجراها الفرنسيون في معاملهم سحرًا1، بيد أن كل هذا ذهب بذهابهم سنة 1801م.
كانت حملة نابليون هزةً عنيفةً لمصر، أيقظتها من سباتهات الطويل العميق, وبيَّنَت لها أنها تعيش في عالمٍ آخر، وأن الدنيا تسير, وأهلها واقفون غارقون في أحلامهم, يجترون ماضيهم، ولا يدركون مساويهم، ويظنون أنهم الناس وأن غيرهم لا شيء.
وقد نَظَّمَ نابليون شئون مصر الداخلية تنظيمًا حسنًا، يشهد له بالنبوغ الإدرايّ، فوق نبوغه الحربيِّ، على الرغم من قصر المدة التي أقامها بمصر، فأنشأ الدواوين في مصر والمدن الكبرى, وانتخب لها أكفأ المصريين, واختيار من بين المصريين المسيحيين رجال المالية والإدارة، بيد أن شراسة رجال الحملة، واستهتارهم بالشعب المصريّ، ودينه وتقاليده، وانتهاكهم حرمات الأهالي جهارًا, ونهبهم القرى الآمنة، وإفزاع أهلها، وفرض الضرائب على الأوقاف الخيرية التي كان يصرف ريعها على المساجد وطلاب العلم، وفرضها كذلك على المنازل، جعل كل قلوب المصريين تنفر من نابليون وإصلاحاته، وعلمه، وتنظر إليه نظرة الغاصب المستبد، ولقد ثار المصريون في أكتوبر سنة 1798؛ فأخمد ثورتهم في قسوةٍ عارمةٍ، وعنفٍ وغلظةٍ، وانتهك حرمة المساجد الإسلامية2, وعبثًا حاول بعد ذلك أن يتألف قلوبهم, أو يستميلهم إلى المدنية الغربية، وإن كلفوا بها بعد خروج الحملة الفرنسية من مصر, واتخذوا ما وضعه لهم أساسًا للإصلاح الداخليّ2.